العياشي الفرفار: تسريب المحادثات الخاصة وتدمير النقاش العمومي

العياشي الفرفار: تسريب المحادثات الخاصة وتدمير النقاش العمومي العياشي الفرفار
حجم العنف السيال اليوم مقلق، والأكثر خطورة وغرابة في الوقت ذاته، أن يكون العنف في أمكنة المفروض فيها محاصرة العنف وامتصاصه.
هنا عمق المشكلة، كيف نفسر تنامي العنف في الفضاءات السياسية وداخل الأحزاب السياسية الموكول لها بنص الدستور مهام التأطير السياسي.
هذا الأسبوع وبحزب الاستقلال، حديث شغل الناس عن فيديو ثم تسريبه، عبارة عن محادثة خاصة حول مواضيع خاصة.
تسريب المحادثة، وسرعة انتشارها وحتى الاحتفاء وصل إلى الشراهة في الأذى بتعبير المفكر الأمريكي لورنس شيرمان وهو يناقش مفهوم الفضيحة.
البحث عن الفضائح، أصبح فعلا تجاريا مدرا للدخل الربح  في زمن شبكات التواصل، وبالفضاءات السوداء تيك توك نموذجا. وهو ما يفسر حجم الإقبال وسرعة الترويج و قد يكون أداة صراع من أجل ربح مواقع انتفاع .
هذا الحدث أرغمني على العودة إلى كتاب النقد الذاتي، لمعرفة أين نحن من مشروع علال الفاسي، الإطار المرجعي لحزب الاستقلال.
علال الفاسي، في مشروعه الحداثي يعتبر أن الديمقراطية شرط لبناء المغرب، وأن بناء مغرب جديد يكون عبر بناء  فعل ديمقراطي، وهو ما يعني إعادة صياغة الفعل السياسي لإدارة البلاد على أسس جديدة، وقيم جديدة تؤمن بالعقلانية والديمقراطية والتوابث الوطنية والدينية.
بناء الديمقراطية في منظور علال الفاسي، لا يتحقق إلا باستيراد نظم ونماذج تسيير جاهزة، ولكن كفعل تربوي طويل ومعقد،الأمر الذي يحتاج إلى جهد جماعي مشترك لبناء وعي ديموقراطي أولا ينتج سلوكا ديمقراطيا على القاعدة انه لا ديمقراطية بدون وجود مواطن ديمقراطي.
فالديمقراطية ليست سلعة قابلة لاستيراد والاستهلاك المباشر، لكنها فعل بناء قاعدي يتحقق عبر فعل تنشئة متعدد الأبعاد تتعايش فيه القيم الوطنية والإسلامية للمغرب مع الانتاجات الإنسانية.
هو ما يسمح ببناء نموذج مغربي أصيل ومتسامح يحافظ عل هويته،  في إطار من الانفتاح الايجابي على الأخر وعلى إنتاجاته في إطار من التعايش بين المحلي والأجنبي، من اجل بناء نظام ديمقراطي مفتوح ومنفتح على كل التحولات والمتغيرات.
فالنظام الديمقراطي، ليس نظاما مغلقا أو منحازا لثقافة على حساب ثقافة أخرى، وإنما هو فعل حوار وتواصل يتحقق على قاعدة التعايش والتسامح، وهو ما يفسر انحياز علال الفاسي إلى خطاب الحداثة الإسلامية وروح الحداثة بدعوته إلى التكيف والتعايش مع روح العصر والاستفادة من إمكانياته.
يتحقق النظام  الديمقراطي، بتنشئة سياسية  تربية اجتماعية متكاملة، لذا نجد علال الفاسي، مشغولا بسؤال التربية، وبالتالي البحث في الشروط القبلية لبناء الديمقراطية، وليس الانشغال بنتائجها والبحث عن أسهل الطرق للوصول إلى السلطة، علال الفاسي يرفض أن تكون الديمقراطية الشكلية طريقا للسلطة لكن يجب ان تكون طريقا لبناء الدولة والمجتمع معا، والحفاظ على النظام بما يضمن تحقيق التنمية والرفاه للمواطنيين.
لذا نفهم أنه – علال الفاسي -  مفكر مشغول بالمستقبل وبالأجيال القادمة، وبتربيتها على نظم وقيم الديمقراطية كفكر يؤمن بالحرية، المسؤولية، التعدد، الاختلاف، والتسامح. ولم يكن مشغولا بتحقيق  نتائج فورية وكسب اصوات جاهزة .
وأنا أعيد قراءة النقد الذاتي، أتوقف عند عمق التصور وقيمته الفكرية والنظرية والسياسية حين اعتبر أن النظام الديمقراطي هو نظام لتعبئة كل الطاقات التي تتوفر عليها البلاد، لخلق الثروات، وتحقيق التنمية، وضمان التوزيع العادل للخيرات الوطني معتبرا أن الديموقراطية هي فعل أخلاقي عبر وصيته المشهورة والمعنونة: "أيها الشعب، الديمقراطية خلق، فتخلق بآدابها، فقد آن لك أن تفعل".
واقعنا اليومي، سيء  ومنغلق يحضر فيه العنف والأذى والبحث عن المصالح الخاصة،  وهو ما يفسر حدة الصراع المنتج للعنف على حساب القيم المغربية الأصيلة والترافع عن المصلحة العامة.
أن يتم تحويل محادثة خاصة ربما كانت بدافع التشكي -ان كان الاديو صحيحا – و جعلها نقاشا عموميا يحظى بهذا الكم من المتابعة والاحتضان و الاحتفاء،  فالأمر يقود إلى أن حجم الإعطاب كبير وأن الأزمة عميقة،  وأن هناك انقلابا على فكر علال الفاسي، الذي انتصر للعقل  الحرية  الوطن و المقدسات من اجل وطن يسع للجميع .
اليوم،  أصبحنا نعيش صراعا لكي يعيش طرف على حساب طرف،  أو طرف بتدمير لكي يتموقع طرف آخر وهو سلوك اقرب إلى صراع الزعامات لدى قبائل البوتلاتش، حيث الحرق طريق للسلطة.
يبدو أن حجم الأزمة عميق، وأن مواجهة هذه الأزمة مرتبط بفهم هذا الواقع أولا، واستعادة مرجعية التأسيس وتملكها، وتحويل هذه المرجعية إلى فعل سياسي صانع للأمل،  ويفسح مجال الحرية والاختلاف لكي يكون التدافع مؤسسا على قيمة التعاون وليس على العنف.
ما نحتاجه اليوم هو تحرير فكر علال الفاسي، عبر محاصرة كل الانحرافات الناتجة عن التفكير الأناني الضيق والمنتج للصراع والتدمير.
يعتبر علال الفاسي،  أن "الطغيان الأناني" هو سبب كل المشكل وأصل كل عنف، فهو المغالاة حيث الذات هي محور الحياة، لذا فهو  مصدر كل النقائص الاجتماعية..
مواجهة الطغيان الاناني  وتطهير الذات، تطهير الحزب شرط اساسي من أجل البناء وتكوين الاستقلال الشخصي، عبر تحويل الأنانية المتطرفة إلى أنانية جماعية تنصهر في الجماعة ومن أجل الجماعة وليس ضد الجماعة، "متوجهة نحو مصالح الأمة ومنافع المجموع، ولن يتم ذلك إلا إذا استطاعت أن تبعث في نفوسنا جميعا تلك الروحية المغربية التي كونت من أسلافنا أولياء ممتازين وأبطالا متفوقين لا يغارون إلا على حقوق الله والوطن، ولا يتنافسون إلا في السبق لخدمة الكل ومساعدته على التحرر والانطلاق، ولا يعملون لغاية إلا السمو الروحي الذي يلتمس جزاءه في الذكر الطيب والحديث بن الحسن  والثواب الإلهي الموعود"  – القول لعلال الفاسي - .
مضمون الاديو سئ حتى لو كان مونولوجا داخليا ، لكن الأكثر سوءا هو من قام بتحويله من فعل خاص إلى فعل عمومي، والعمل على تسويقه بهدف إلحاق اكبر قدر من العنف والدمار ونزع المكانة الاجتماعية وتكثيف الخسائر وإشاعة الظلام.
الرهان الأساسي في فكر علال الفاسي، ليس هو تحويل قضايا خاصة إلى مواضيع عامة، ولكن العكس بتحويل القضايا العامة إلى قضايا خاصة، آنذاك سيصبح النقاش العمومي و الفضاء العمومي ومصلحة البلد والوطن يحظى بحرارة التفكير والاهتمام معا، هو ما يعيد للسياسة قيمتها  ويستعيد الفعل السياسي جاذبيته. أما تحويل مواضيع خاصة إلى نقاش عمومي فالأمر هو عنف وتدمير للمشترك وصناعة للفوضى.
 
العياشي الفرفار/ برلماني عن حزب الاستقلال