مصطفى عنترة: زلزال المغرب وجدل المساعدات الإنسانية الدولية

مصطفى عنترة: زلزال المغرب وجدل المساعدات الإنسانية الدولية مصطفى عنترة
أتعرفون دولة أرادت تقديم مساعدات إنسانية للمغرب في زلزال الثامن من شهر شتنبر من خلال سلوك الابتزاز السياسي؟ نعم إنها فرنسا. وهل تعرفون دولة عبرت عن رغبتها في تقديم مساعدات إنسانية وحولت فاجعة الزلزال إلى لحظة للفرجة والابتزاز الإعلامي؟ نعم إنها الجزائر.
إن باريس والجزائر تحكمهما عقليتان. فرنسا لازالت تحنّ في بعض المناسبات إلى العقلية الكولونيانية، تنظر إلى المغرب وكأنه ملحقة تابعة لها. والجزائر لم تستطع التخلص من عقلية زمن "الحرب الباردة"، وظل نظامها الحاكم سجين مخلفات الماضي، ولم يدرك بعد أن العالم عرف تحولات جوهرية وسقوط إيديولوجيات كبرى وبروز نظام دولي جديد، ولم يستوعب لغة حسن الجوار وأسلوب التعاون والتكامل لرفع التحديات الإقليمية وكسب رهانات الشعوب المغاربية.
لقد أثار موضوع المساعدات الإنسانية الدولية للمغرب في الزلزال العنيف والمدمر، الذي ضرب جزءا من أراضيه في الثامن من شهر شتنبر الجاري، جدلا كبيرا تعددت دلالاته واختلفت قراءاته بين  عدد من المراقبين والمتتبعين للشان المغربي. 
قدمت حوالي أزيد من سبعين دولة عروضها الإنسانية لمساعدة المغرب في الزلزال، حسب ما صرح به وزير مغربي لإحدى القنوات العربية الدولية. رحب المغرب، من حيث المبدأ، بهذه المساعدات لطابعها الإنساني، لاسيما وأن هذه الكارثة الطبيعية كانت قوية وخلفت وراءها ضحايا بشرية ثقيلة وخسائر مادية كبيرة، لكنه، ووفق احتياجاته وتقديره، لم يقبل عمليا مساعدات إلا من أربعة دول، وهي قطر، والإمارات، وإسبانيا، والمملكة المتحدة. ورفض عرض الجارة الشرقية الجزائر، وتجاهل طلب المساعدة من الصديقة التقليدية فرنسا.
الأكيد أن علاقات المغرب مع دولة قطر وصلت إلى مستوى جد متقدم وتشكل اليوم نموذجا ناجحا في التعاون والتضامن والاحترام المتبادل، لكونها مبنية على قاعدة المصالح المتبادلة والتقدير. وقد تقوت هذه العلاقة أكثر بعد جهود الملك محمد السادس لإنهاء الأزمة الخليجية، إثر قطع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، واستعداد المغرب للعب دور الوساطة لإيجاد حلول.
نفس الأمر ينطبق على علاقات المغرب مع الإمارات المتجذرة بناء على الروابط المتينة بين العائلتين الحاكمتين، وما يجمع البلدين من علاقات قائمة على التعاون المثمر والتكامل البنّاء والتضامن الفاعل، والتي تترسخ باستمرار.
ويأتي إختيار إسبانيا نتيجة منطقية للعلاقات المتميزة التي تجمع المملكة المغربية بنظيرتها الجارة الشمالية، وهي العلاقات التي تقوت أكثر في مجالات متعددة، بعد تحولها إلى شريك استراتيجي استثنائي يجسد مبدأ علاقات التعاون المثمر وحسن الجوار المتميزة واحترام السيادة، ويدعم مقترح الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، على اعتبار أن المغرب اختار لغة الوضوح في ما يتعلق بالقضايا الكبرى، ومنها على وجه التحديد قضية الصحراء المغربية التي تعد "النظارة" التي يرى من خلالها علاقاته الدبلوماسية.
اختيار بريطانيا تحكمه طبيعة العلاقات التاريخية بين المملكتين، والتي عرفت على مر التاريخ استقرارا، وتعززت أكثر بعد الشراكة المبرمة بين البلدين، والآفاق الاقتصادية الواعدة إثر خروج لندن من الاتحاد الأوروبي، وكذا الموقف من قضية الصحراء المغربية. فكل التوقعات تفيد في هذا السياق بأن بريطانيا قد تخرج من دائرة الحياد الذي مارسته في تعاطيها مع قضية الوحدة الترابية للمملكة وتسير في نفس المنحى الذي اتخذته حليفتها الأولى الولايات المتحدة الأميركية. 
وإن مقاربة المغرب في تعامله مع المساعدات الدولية بهد الزلزال المدمر لم تثر إلا حفيظة دولتين، كما أشرنا، الجزائر التي حاولت استغلال كلام لوزير مغربي والدخول في ما يشبه استفزازات عبر عنها بوضوح الإعلام الموالي لقصر المرادية، وتحويل لحظة إنسانية إلى موضوع للفرجة الإعلامية في لحظة مؤلمة للشعب المغربي.
وكذلك فرنسا، التي كشفت مرة أخرى عن نزعتها الكولونيالية، إذ لم تستوعب دلالات عدم الرد العلني على العرض الذي قدمته للمساعدة، بل وصل الأمر إلى توجيه مانويل ماكرون خطابا مباشرا إلى الشعب المغربي بشأن الموضوع، ومحاولة برمجة زيارة رسمية لرئيس الدولة إلى المغرب لم تكن أصلا مدرجة في جدول الأعمال ولا مبرمجة. 
إن نجاح مقاربة المغرب تعكس سيادة الدولة في التفاعل مع موضوع المساعدات الإنسانية الدولية بكل استقلالية، بناء على أولوياتها وحاجياتها، بعيدا عن منطق الابتزاز والمزايدة، وهو درس جديد في معنى الاستقلالية ومفهوم السيادة.