إذا كان زلزال الحوز بما خلفه من دمار وضحايا ومشردين يقدر عددهم بحوالي 300000 قد أثارت مشاعر المغاربة من خلال ما شهدناه من تضامن ميداني واسع يعكس القيم المتأصلة في المجتمع المغربي.
فان هول الكارثة أثارت كذلك الضمير الإنساني الدولي من خلال العشرات من عروض المساعدة المقدمة للدولة المغربية..
قبل منها المغرب عروض أربعة دول صديقة، حسب نص البلاغ الرسمي الذي عزى ذلك إلى التقييم الأولي للحاجيات ولتسهيل عملية التنسيق بين مختلف الفرق المتخصصة في الانقاذ بكل ما أثاره هذا الانتقاء من لغط إعلامي واتهامات للمغرب بتسييس ملف إنساني محض خاصة من فرنسا والجزائر.
كما أن استحضار ما تناقلته وسائل الإعلام الدولية يستدعي منا إعمال مقاربة موضوعية تتوخى استخلاص الدروس من هذه الكارثة التي أبانت عن حدة الهشاشة التي تشهدها المناطق المتضررة التي تفتقر لكل شيء اضافة الى النقص الحاد في الإمكانيات المادية والبشرية المتخصصة في التعامل مع مثل هذه الكوارث في الزمان والمكان المطلوبين .خاصة مع ما تناقلته وسائل الإعلام بعد مرور أيام على وقوع الكارثة من تأخر في أعمال الإغاثة الاحترافية التي تعمل على انتشال الأحياء والموتى من تحت الأنقاض وتقديم المساعدة للناجين في الوقت المناسب.
اللهم ما شهدناه من عمل إغاثي تطوعي يقوم به المتضررون باستعمال اياديهم وبعض الأدوات البدائية.
أقول هذا لأن المغرب رغم المجهودات التي بذلها للحد من آثار الكارثة إلا أن ما يمتلكه من إمكانيات مادية وبشرية أكبر من أن يظهر بالمظهر الذي تناولته وسائل الإعلام الدولية. وما يعوزه هو حكومة قادرة على رفع التحديات والرقي بالمجتمع المغربي إلى مصاف الدول التي تجعل كرامتها من كرامة مواطنيها عبر القضاء على الهشاشة والفقر وتصحيح الفوارق الصارخة بين الجهات.
وعلاقة بأوضاع الهشاشة التي تشهدها هذه المناطق المتضررة تتناسل الأسئلة عن جدوى المشروع التنموي الجديد الذي أقره الملك محمد السادس بصفته رئيسا للدولة ما لم تتم ترجمته في السياسات العمومية التي تنهجها الحكومة كجهاز تنفيذي. وتجعل من أولوياتها تنمية هذه المناطق التي تتوفر على إمكانيات مهمة يجب تثمينها من خلال الاستثمار في البنيات التحتية الضرورية والمراكز الصحية والتعليمية والوحدات الإنتاجية والمراكز السياحية القادرة على توظف ما تتوفر عليه هذه المناطق من مناظر طبيعية وما تختزنه من تراث مادي ولا مادي يعود لقرون خلت. مع الاستثمار في ساكنتها للرقي بها الى القرن الواحد والعشرين بدل اعتبارها فلكلورا يصلح للفرجة في الاحتفالات الرسمية.
كما كان على الحكومة الأخذ بعين الاعتبار التحذيرات التي أوردها التقرير الأخير للبنك الدولي حين اعتبر المغرب من البلدان التي تهددها الكوارث المناخية والجيولوجية ويخسر جراءها حوالي 576 مليون دولار سنويا. وقدم مساعدة تقدر ب 300 مليون دولار اضافة الى 1.5 مليون دولار قدمتها سويسرا كدعم للاستراتيجية الوطنية للحد من آثار الكوارث الطبيعية التي اعتمدها المغرب للمرحلة الممتدة بين 2020 و2030 التي أبانت عن عدم نجاعتها أمام هذه الكارثة. مما يتطلب مراجعتها بشكل جذري وإدماجها فعلا وليس قولا في السياسات العمومية كما جاء في كلمة وزير الداخلية أمام المؤتمر التاسع عشر لمسؤولي الوقاية المدنية العرب المنعقد في مراكش يوما قبل حدوث الكارثة.
وتفاديا لتكرار ما شهدناه من ارتباك و تأخر في التدخل على هذه الاستراتيجية توفير آليات وميكانيزمات وفرق عمل متعددة الاختصاصات في الإغاثة والإسعافات الأولية تشتغل تلقائيا دون بيروقراطية ومجهزة بأحدث الوسائل التقنية واللوجستية التي يجب أن تشمل جميع جهات المملكة مع إجراء دورات تدريبية وطنية ودولية لتطوير مهارات هذه الفرق حتى تستطيع التعامل مع مختلف الكوارث المناخية والجيولوجية. وعدم الاكتفاء بسرد نجاحها النسبي في تدبير الحد من حرائق الغابات. او التقليل من آثار الجفاف الذي صرفت له حوالي مليار دولار ذهب في غالبيته إلى الفلاحة التصديرية وترك الفلاحين الصغار والمتوسطون الذين يمولون السوق الوطنية بالخضروات واللحوم عرضة للإفلاس.
انها بعض الدروس التي علينا استخلاصها وطنيا. أما دوليا وعلاقة بما أثاره رفض المغرب لعرضي فرنسا والجزائر من لغط إعلامي واتهام المغرب بتسييسه لملف انساني لابد من القول ان التضامن الدولي في حالة الكوارث يعد التزاما أخلاقيا وليس قانونيا بالتالي من حق الدول ان تقبل أو ترفض عروض المساعدة و قراراتها تعد سيادية وهو المنحى الذي سار فيه المغرب خاصة مع غياب اي اتفاقية دولية في هذا الشأن لعدم توافق الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على مشروع الاتفاقية الذي تقدمت به اللجنة الأممية للقانون الدولي التي أحدثت لها لجنة وظيفية ومقررا خاصا سنة 2007 .لان الدول المانحة خاصة أمريكا والدول الغربية أصرت على منحها الحق في تقديم المساعدة للجماعات المتضررة في زمن الكوارث دون اللجوء الى حكومات الدول المعنية وهو ما رأت فيه الكثير من الدول الأعضاء تجاوزا لمبدأ السيادة المنصوص عليه في المادة الثانية من الميثاق الأممي .
ان السياسة كانت دوما حاضرة في ملف المساعدات الإنسانية وليس شيئا ابتدعه المغرب في معرض رده بالرفض أو القبول.
وبالرجوع الى الدولتين التي لم تستجب الدولة المغربية لعروضها رغم ان حجم الكارثة يتجاوز الإمكانيات الذاتية للمغرب ولأي دولة نامية وهو ما أبانت عنه الوقائع الميدانية. وكذا الخسائر التي تسببت فيها المقدرة حسب الأمم المتحدة بحوالي عشرة ملايير دولار ونداء الصليب الأحمر الدولي لجمع تبرعات تقدر ب 120 مليون دولار.
كل هذا يؤشر على ان المغرب فعلا بحاجة الى المساعدات الدولية لكن دون التفريط في سيادته وهو ما يمكن ان نفسر به تجاهل عرض فرنسا التي تشهد علاقاتها بالمغرب فتورا وملفات عالقة منذ سنوات لا حاجة لتذكير الرئيس الفرنسي بها.
كما أن رفض عرض الجارة الجزائر التي فتحت أجواءها لمرور المساعدات وعبرت عن استعدادها للمساعدة وذلك في خطوة إنسانية استبشرنا بها خيرا لمستقبل العلاقات بين البلدين واعتبرناها مدخلا لما نصطلح عليه بـ ديبلوماسية الكوارث التي ستساهم في تذويب الخلافات بين البلدين الجارين لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين. إلا أن الرئاسة الجزائرية مع الأسف وبخلاف الأعراف الدبلوماسية في مثل هذه الكوارث أقدمت على إصدار بلاغ تعزية للشعب المغربي متجاوزة الملك محمد السادس بصفته رئيسا للدولة. هذا في الوقت الذي قدمت فيه الرئاسة الجزائرية برقيات تعزية لرؤساء دول أخرى عاشت كوارث مشابهة.
بالتالي فإن رفض عرض الجزائر لم يكن مفاجئا بل منتظرا وفق مبدأ السيادة.
خلاصة: إن هذه الكارثة الجيولوجية بتداعياتها الانسانية المختلفة والنواقص التي أبانت عنها سواء في مسألة التدبير الاستعجالي للكوارث الطبيعية أو في الهشاشة الصارخة التي تعاني منها المناطق المتضررة من الزلزال. وبكل ما أحدثته من استفاقة للضمير الوطني والدولي الذي عبر بشكل واسع عن تضامنه مع المتضررين بالإضافة الى ما أحدثته من لغط إعلامي فيما يخص رفض المغرب لعروض المساعدة التي تقدمت بها بعض الدول. يمكن أن نستخلص ما يلي:
وطنيا:
الحكومة المغربية مباشرة بعد انقضاء المرحلة الاستعجالية. الانكباب على اعادة الإعمار ضمن رؤية تروم معالجة الاختلالات الجهوية عبر وضع مخططات تنموية مستدامة لهذه المناطق ومناطق أخرى مشابهة في المغرب من أجل إحقاق العدالة الترابية. - مراجعة الاستراتيجية الوطنية للحد من آثار الكوارث الطبيعية بالشكل الذي يجعل تدخلاتها احترافية وتلقائية وناجعة.
دوليا:
الحاجة إلى اتفاقية دولية لحماية الأشخاص في حالات الكوارث تكون ملزمة قانونيا مع احترام سيادة الدول واستقلالها المنصوص عليها في المادة الثانية في الميثاق الأممي وعلى لجنة القانون الدولي في الأمم المتحدة ان تعمل على إخراج نص الاتفاقية إلى حيز الوجود بالمواصفات السالفة الذكر وطرحها للمصادقة والتوقيع حتى وإن تخلفت بعض الدول على ذلك.
د.تدمري عبد الوهاب
طنجة في 20 شتنبر 2023