تنجح المعارضة السياسية حين تقترن بالأخلاق، ومفتاح هذه الأخلاق التحلي أولا بالصدق وقول الحقيقة، وعلى نفس المنوال يجب أن تسير الممارسة الإعلامية والصحفية، أي بالاقتداء بأخلاقيات العمل الصحفي، وفي مقدمتها أيضا التحلي بالصدق وقول الحقيقة، غير ذلك سنكون أمام آلة جهنمية لصناعة الانتهازية والفهلوة ونشر البروباغندا والتلاعب بالعقول.
لا يمكن أن تكون سياسيا معارضا أو صحفيا منتقدا ذي مصداقية، وأنت تمارس نوعا من البروباغندا المعكوسة باختلاق معلومات ومعطيات تسير عكس الحقيقة.
أكتب هذا الكلام، وأنا أتابع هذه الأيام بعد فاجعة الزلزال بعض التصريحات الصادرة عن بعض الصحفيين والمعارضين بالخارج، خاصة التصريحات لبعض وسائل الإعلام الأجنبية وخاصة الفرنسية منها، في نوع من التزلف والركوب على نفس موجة الإعلام الرسمي وشبه الرسمي بفرنسا المنتقدة لموقف المغرب من قبول مساعدات الحكومة الفرنسية.
ورغم أنني لا أريد الدخول في جدل غير محمود في هذه اللحظة بالذات، التي يضمد فيها الشعب المغربي جراحه بعد فاجعة الزلزال، غير أني لم أستطع إخفاء غضبي وكتم امتعاضي بل وحزني وانا أسمع بعض هذه الأصوات تصرح علنا لبعض وسائل الإعلام الفرنسية دون خجل ودون تحري أو تمحيص لمصادر معلوماتها، و ذلك بالادعاء أن السلطات المغربية والجيش المغربي وكل أجهزة الإسعاف لإنقاذ المنكوبين لم تتحرك إلا في صباح اليوم الموالي وأنها لم تتدخل سوى بعد أن تلقت الأوامر من الملك في اليوم الموالي.
أنا لست هنا للدفاع عن السلطات المغربية، لكنني وحيث أدعي الانتساب لمدرسة السياسة المقترنة بقول الحقيقة كما دافع عنها الشهيد المهدي بنبركة، فلم أتحمل سماع بعض الهراء الصادر عن تلك الأصوات التي كنت احترم بعضها مع كامل الأسف ولم أكن أعتقد أنها ستسقط في مطب البروباغانذا والتضليل المعكوس، فقد ترددت كثيرا في الرد على ذلك الهراء، غير أني ومن باب الأخلاق ومن باب الشرف وقول الحقيقة ومن باب الدفاع النزيه عن بلدي وعن الذين هبوا تلك الليلة من جميع مناطق المغرب لنجدة أبناء وبنات بلدي، واحتراما للنبل والتضامن التي أبانت عنهما مختلف شرائح الشعب المغربي، وأنا الشاهد على تلك الهبة وعلى سرعة التدخل وعلى تجند كل أجهزة الدولة لتقديم المساعدة والإغاثة كما هي مطلوبة في كل دولة تحترم نفسها وتحترم مواطنيها.
نعم كنت شاهدا فعليا على سرعة التدخل، رغم أن الزلزال ضرب ليلا ورغم وعورة وصعوبة التضاريس بالمنطقة المنكوبة، فخلال تلك الليلة حيث لم أكن بعيدا عن مركز الهزة الأرضية، خرجت للشارع كما فعل جميع الناس هناك، وبعدما تبين لي استحالة قضاء الليل في العراء، قررت العودة في حدود الساعة الواحدة صباحا أي بعد مرور ساعتين على الهزة الأرضية، وأنا في الطريق السيار نحو الدار البيضاء والرباط وعلى مستوى مدينة ابن جرير بدأت تظهر أمامي في الاتجاه المعاكس من الطريق السيار نحو مدينة مراكش خط متواصل وبدون توقف من سيارات الإسعاف بمصابيح مختلفة الألوان الزرقاء منها والحمراء ومئات الشاحنات العسكرية و وتواصل سير هذه الشاحنات وسيارات الإسعاف حتى وصولي مدينة بوزنيقة في حدود الساعة الرابعة والنصف صباحا، أفهم من ذلك أن فرق الإنقاذ القادمة على الأقل من الدار البيضاء لكي تصل مدينة ابن جرير التي تبعد عنها بحوالي 200 كلم حوالي الساعة الثانية صباحا، تحتاج على الأقل لساعتين من الزمن، وهو ما يعني وبالنظر للسرعة الفائقة التي كانت تسير بها سيارات الإسعاف وشاحنات الجيش والقوات المساعدة أنها انطلقت على الأكثر في حدود الساعة الثانية صباحا، وهو ما يؤكد أن التحرك نحو المناطق المنكوبة كان بالسرعة اللازمة وأتخيل أن تعزيزات أخرى من فرق الإنقاذ قد أخذت طريقها من المدن الجنوبية لمراكش وتارودانت وخاصة من مدن أكادير وإنزكان قد انطلقت في نفس التوقيت.
كنت أظن أن الجهات الرسمية سترد على هذا الهراء لكنها خيرا فعلت، فهول اللحظة التي وحدت جميع المغاربة كيفما كانت وضعيتهم الاجتماعية ومواقعهم في المسؤولية على هدف واحد أن نساعد بعضنا البعض لنجتاز المحنة بأقل الخسائر وباستشراف متفائل نحو المستقبل حتى لا تتكرر مجددا أخطاء الماضي، ولتلك الأصوات التي هرعت تقدم الأراجيف لبعض غربان الصحافة الفرنسية، أقول لكم، الحقيقة قد تحتمل أكثر من وجه، لكن إذا لم تشاهدوا ولم تعاينوا أي وجه من أوجه هذه الحقيقة فرجاء اصمتوا حتى لا تقعوا في المحظور.