يعالج فيه إشكالية مبدأ اللايقين الذي يعتبر أن الإنسان ليس قادرا على معرفة كل شيء بدقة متناهية، وذلك من خلال مقاربات صحافية تناقش قضايا الاعلام ارتباطا بالتحولات التكنولوجية وتحديات الثورة الرقمية التي ينتصر فيها للرأي الذي يذهب بأنها " ثورة ثقافية" بامتياز.
صفحة فصول الكتاب الواقع في ما يناهز 350 صفحة من الحجم المتوسط والصادر عن مطبعة" المناهل" بالرباط، تتضمن ستة فصول هي "الإعلام والرقمنة" و" الثقافة والاعلام" و"الاعلام والسياسة" و"الصحافة والذاكرة" و"الاعلام والمؤسسات" و"الاعلام والجوار".
وتحت عنوان "جمال المُحافظ: الوفاء للكتابة، الكتابة للوفاء"، كتب الأستاذ الجامعي حسن طارق في تقديمه لهذا العمل الجديد، أن نُصوص هذا الكتاب تحمل قلق السؤال حول مُستقبل الإعلام في قلب تحولات جارفة. تفعل ذلك وهي تُفكر في أثر السياسي على الصحافة، وتقف على اختبار الأخلاقيات في زمن الرقمنة، و تستعرض تحديات الصحافة الثقافية أمام اكتساح الضحالة المُعممة ،و تُدقق النظر في حُضور الطفل و المرأة و الثقافة والرياضة في إعلام اليوم ، و تبحث في مآلات بنيات و مؤسسات الأداء الإعلامي ( وكالة الأنباء، التنظيم الذاتي للصحافة، المعهد ، النقابة، النادي ..).
وقال إذ أتصور أن هذه النُصوص التي تبدو - للقراءة السريعة - مقالات عابرة تُقدم رأياً أو تعليقاً يومياً حول حدث آيل للنسيان، تحمل في عُمقها عُصارة حياةٍ كاملة وسط الأحداث و مع الفاعلين ، و عُمراً مهنيا كثيفاً في معالجة الأخبار" الساخنة"، و تحليلها و متابعتها، و تجربة في تدبير المسافة مع الوقائع اليومية و تجريب التفكير "البارد" في التحولات و المآلات و الآفاق ذات الصلة بقضايا الديمقراطية و الإعلام. وأوضح أن جمال المحافظ قَدِمَ الى مقالة الرأي من كل تلك الروافد الغنية بالتزام المواطن، و خبرة الفاعل ، و مهنية الإعلامي ،و حِس الأكاديمي.
وبعدما لاحظ طارق، أن الوفاء عند جمال المُحافظ يبدو تعبيراً عن الاعتراف بالأثر، و حرصاً على صيانة الذاكرة الجماعية، و الأهم كرسالة نبيلة اتجاه المُستقبل، وإن الاعتناء برموز الذاكرة، يبقى هاجساً وُجودياً لدى المُؤَلِف، خلص إلى القول أنه، " ضمن هذا الأفق ، ( الوفاء )، لا يخرج هذا الكتاب هو الآخر عن القاعدة ، حيث يحضر علال الفاسي، ومحمد عابد الجابري، و محمد العربي المساري، و عبد الله الستوكي، و محمد بلغازي ..، لكن الى جانبهم تحضر - ضمن جدلية خلاقة - كل الأسئلة الحارقة لمستقبل الصحافة في زمن اللايقين الإعلامي".
واستنادا إلى كتاب " بين الزمن والأبدية" للباحثين إيزابيل ستنغرس وإيليا بريغوجين الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1977 أوضح جمال المحافظ، في استهلال مؤلفه أن " اليقين الوحيد الذي يمكن أن يتمتع به المرء، هو أننا نعيش في عالم من اللايقين .. ". لكن الكاتب لم يتوقف فقط عند مفهومي الباحثين السابقين، بل يذكر بمقولة المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي في تعريفه للأزمة، " يموت القديم، والجديد لم يولد بعد...".
ومن جهة أخرى يعتبر المؤلف أنه من الصعوبة، الحديث عن التحولات التي طالت وسائل الاعلام، بدون ربط هذه المتغيرات بالتقدم الحاصل في قطاع التكنولوجيا الذي جعل الحدود ما بين وسائط الاتصال، تنهار على نحو مضطرد.. نتيجة ذلك، أصبحت وسائط الاعلام والاتصال موجها لطريقة تمثلنا العالم وجعلت العلاقة به، لا تتم وفق التجربة المباشرة للأفراد، بل وفق ما تقدمه هذه الوسائط جاهزة .
وبعد تشكل مفهوم اللايقين، في دائرة الفيزياء المعاصرة و الذي أسس له سنة 1927 العالم الألماني فرنر هايزنبرغ، ويعنى أن الإنسان ليس قادرا على معرفة كل شيء بدقة متناهية، انتقل إلى الحياة السياسة والاقتصادية والاجتماعية والاعلامية. وهكذا يوضح المؤلف أن اللايقين أو الارتياب، أصبح أكثر المفاهيم تداولا ، وتحوّل إلى نموذج تفسيري، و براديغم إرشادي جديد، وجعل الإنسان بالتيهان. كما ساهمت جائحة كوفيد 19، في تسليط مزيد من الضوء على مبدأ اللايقين معرفيا وسياسيا وثقافيا وإعلاميا، وتزامن ذلك مع انتشار التفاهة والشعبوية وسيادة التجهيل .
فالكاتب بهذا المؤلف الجديد، لا يدعى الإجابة الشافية، عن مستقبل الصحافة والاعلام في زمن اللايقين وتحديات الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية والتحولات الفكرية والسياسية والصحفية والاجتماعية، بقدر ما يطمح الى اثارة الانتباه الى الأدوار التي يضطلع به في القرن الواحد والعشرين، الاتصال والاعلام الذي تحول من "سلطة رابعة" إلى "سلطة أولى" بوظائف، تنزاح يوميا، عما ذهب إليه سنة 1748، الفيلسوف الفرنسي مونتيسكيو في كتابه "روح القوانين" الذي تحدث فيه عن فصل السلطات (تشريعية-تنفيذية- قضائية).
جمال المحافظ، رئيس المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الاعلام والاتصال، أستاذ جامعي زائر، فاعل مدني، مدير إعلام سابق بوكالة المغرب العربي للأنباء، وله عدة مؤلفات ومقالات منشورة بمنابر إعلامية وطنية وعربية.
تجدر الإشارة الى أنه سيتم تقديم وقراءة كتاب " الإعلام في زمن اللايقين"، الأحد 11 يونيو الجاري على الساعة 17.00 بقاعة شالة بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، في اللقاء الذي ينظمه نادي الصحافة المغرب، بمساهمة كل من سعيد بنيس الأستاذ بجامعة محمد الخامس، والإعلامية خديجة الكور الباحثة في علم الاجتماع، وعبد المنعم العمراني الكاتب الصحافي.