في إطار فعاليات الأسبوع الثقافي العاشر بجامعة الحسن الأول الذي يقام هذه السنة تحت شعار" معا من أجل جامعة وطنية مواكبة لتحديات المغرب"، ألقي الأستاذ محمد العيوني، الجمعة 26 ماي 2026، مداخلة في موضوع "أي دور لثقافة الضريح في التنمية المحلية"؛ بالحي الجامعي بسطات.
" أنفاس بريس" تنشر نص مداخلة الأستاذ محمد العيوني، تعميما للفائدة:
لقد دخل تيار التصوف إلى شمال إفريقيا، ومن بينها المغرب، من المشرق العربي في مطلع القرن الثاني عشر الميلادي، وانتشر بسرعة لأنه كان يستجيب لطلب المجتمع، وكان الأولياء هم أصحاب الوساطة بين العبد وربه. ويذهب ابن الزيات التادلي صاحب كتاب "التشوف إلى رجال التصوف" والذي عمل قاضيا في مراكش؛ وتوفي سنة 1230، وهو أول من أرخ لمناقب المتصوفة. إلى أن هؤلاء الصلحاء خرجوا يبحثون في الله فانقطعوا عن الدنيا ومشاغلها طوال حياتهم كأنهم ولدوا من جديد، ويتحدث هنا عن سبعة رجال بمراكش.
فرغم أن الإسلام أو على الأقل بعض المذاهب تحرم تقديس الموتى، فإن المجتمعات المسلمة، ومنها المغرب طبعا، استمرت في تشييد الأضرحة والاحتفاء بها تخليدا لذكرى رجل أو امرأة له أو لها مكانة خاصة وسط المجتمع : قد يكون شريف أو ذو كرامات، أو مجاهد، أو شيخ زاوية تعليمية، أو صاحب طريقة صوفية، كما أن هناك مجاذيب أميون اشتهروا بالولاية والصلاح في حياتهم. ويوجد بالمغرب أكثر من ألفي ضريح.
إن كانت إقامة وتشييد أضرحة الأولياء والصلحاء تدخل في إطار الثقافة المعمارية الجنائزية للمجتمعات، فإن لها مكانة في عمق التاريخ، وتؤدي دورا مهما في الإشعاع الروحي والثقافي لمنطقة معينة، كما قد تلعب دورا أساسيا في تنمية المنطقة اقتصاديا واجتماعيا. لذلك نجد مدنا وتجمعات سكانية أقيمت بجوار ضريح وأصبحت تسمى باسمه. وحتى وإن لم تسمى باسمه فإنه يكون رافدا من روافد إشعاعها، ويجلب لها منافع ورواجا اقتصاديا بسبب الزوار الذين يفدون للتبرك من صاحب الضريح، وبالتالي يستفيد مجموعة من سكان المدينة ممن يمر بها، ليطلع على مآثرها من حيث حب الاستطلاع أو التعمق في معرفة أحد الصلحاء الذين يشتهر بهم المكان.
وهؤلاء الصلحاء قد يسميهم البعض" رجال لبلاد" أو "أوتاد لبلاد "وعماد استقرارها ويؤمنون تحصينها من كل مكروه. فمثلا (القولة المشهورة بمنطقة الحوز: أمولى تساوت، أويلو اللي تفاوت) نسبة للولي الصالح بويا عمر المسمى مولى تساوت لوجوده على الضفة اليمنى لنهر تساوت، وجده سيدي رحال البودالي). وأيضا: العلوة فين ماليك، شكون باقي حاضيك. وكذلك: العزري ما يدوز ولادو..بويا حجاج زين السمية..بويا حجاج، السفينة ما تعواج. وعبارة "شاي الله أرجال لبلاد" المقصود بها صلحاء وأولياء المنطقة.
فهذه الأضرحة هي رأسمال رمزي يتجلى في مفهوم البركة التي خلفها الولي الصالح يتوارثها أحفاده ويستخدمونها للنظر في شؤون الناس.
يضاف إلى ذلك إقامة مواسم التبوريدة بالقرب من أحد الأضرحة وتسمى باسمه. وأيضا مواسم الثقافة الشعبية والحج إلى الأضرحة المشهورة جهويا وحتى وطنيا،
وفي تواريخ معينة (مولاي بوعزة، سيدي امحمد الشرقي، مولاي عبد السلام بن امشيش، مولاي عبد الله بن امغار، الهادي بن عيسى وغيرهم). وفي فاس يوجد ضريح سيدي أحمد التيجاني يزوره الماليون والسنغاليون ووفود من طوارق الصحراء الكبرى. كما يوجد قرب صفرو، ضريح سيدي علي بوسرغين يزوره اليهود والمسلمون على حد سواء.
وحتى الأضرحة المنعزلة وسط البوادي قد تلعب أدوارا مختلفة، حيث يلجأ إليها الناس للاستعانة على قضاء بعض الأغراض التي يستعصي عليهم حلها، وخاصة النساء، نظرا للحاجة السيكولوجية المرتبطة بالغيب، وللترويح عن النفس، بحسب الظروف الاجتماعية التي يعيشونها.
وقد تلجأ النساء إلى الأضرحة رغبة في تيسير الزواج، أو طلب الشفاء من مرض معين وبعض أمراض الأطفال (في امزاب كان يزار ضريح سيدي امحمد بلغفيري بجماعة مكارطو لغرض شفاء الأطفال)، وقصد الإنجاب، أو توسيع الرزق، أو للحماية من العين الشريرة. وحتى أداء اليمين لمن أنكر. ومن طقوس الزيارة لكي تكون مقبولة، تتطلب توفر أربعة شروط في الزائر: (النية والفتوح والأمنية والنذر.)
كما استعملت قباب الأولياء في القديم (قبل ظهور الجي بي إس) كنقط استدلال لإرشاد المسافرين، وقد اعتمدها جيش الاحتلال في وضع خرائطه لتحديد الممرات التي سيسلكها في غزو القبائل (خريطة الشاوية التي أنجزها الدكتور فريديريك وايسجربر سنة 1904، اعتمدت في كثير من أجزائها على الأضرحة ثم التلال والمنابع المائية).