أريري: حرب الشوارع بالدار البيضاء التي تعبث برموز المغرب!

أريري: حرب الشوارع بالدار البيضاء التي تعبث برموز المغرب! عبد الرحيم أريري
إن لم تخني ذاكرتي، هناك 154 زنقة مكررة الأسماء بالدارالبيضاء، حسبما أوضح الكومندار عبد اللطيف الشامي (قائد شرطة المرور بولاية البيضاء سابقا، قبل أن يغادر الجهاز للعمل بالقطاع الحر).
وإذا أضفنا إلى هذا الرقم أعداد الأزقة والأحياء التي ما زالت تحمل أسماء استعماريين فرنسيين بتراب أنفا والمعاريف والنخيل وسيدي بليوط والصخور السوداء وعين السبع والوازيس وبوسيجور وبولو ولارميطاج، أو تحمل أسماء ذات حمولة فرنسية لا تمت لواقعنا بأي صلة، (فرانس فيل، طونطون فيل، فال فلوري، العائلة الفرنسية، الضيعة الفرنسية إلخ...) آنذاك نعي أن كل هذا المعمار المؤسساتي الذي يؤثث ما يسمى بـ «الديمقراطية المحلية» ليس إلا «الشفوي والسماوي». 
فلا مجالس المنتخبين التي تعاقبت على تدبير الدار البيضاء (منذ الاستقلال إلى اليوم) حركتها حمية «تامغربيت» لمسح الذل والعار من شوارع البيضاء وتعويضها بأسماء مغاربة: أدباء وعلماء وفنانين ورياضيين وسياسيين ومقاومين وشهداء ماتوا في الصحراء، بحكم ان المنتخبين «استمدوا ولايتهم» من الشعب.
ولا الإدارة الترابية بكافة طوابقها الإدارية (محليا وجهويا ووطنيا) انتفضت وقالت اللهم إن هذا لمنكر، خاصة أن الوالي والعامل والباشا والقائد، كل واحد منهم يمثل الملك والدولة كل في دائرة نفوذه.
ولا قائد الحامية العسكرية أعطى أوامره لضباطه وجنوده في الجيش البري والجوي والبحري وجهاز الدرك لغسل العار من شوارع الدارالبيضاء بحكم أن الاستعمار «مازال في عقر الدار»!
ولا والي أمن البيضاء حرك رؤساء المناطق الأمنية للحلول محل المجالس المنتخبة والإدارة الترابية لإزالة اللوحات التي تحمل أسماء ذات حمولة استعمارية بشوارع وأزقة البيضاء، باعتباره المسؤول الأول عن الأمن العام بالمدينة.
ولا المهندسون والمتصرفون السامون والأطر العاملون بالجهة والولاية والعمالة ومجلس المدينة ومجالس المقاطعات والوكالة الحضرية، استنكروا تأبيد هذا الذل بشوارع العاصمة الاقتصادية، بالنظر إلى كونهم ضمير المدينة.
ولا الخطباء والمرشدون والوعاظ والأئمة بالمساجد قاموا بتعبئة المصلين في 700 مسجد وزاوية وجامع بالبيضاء للقيام بتطهير شوارع البيضاء من نجاسة فرنسا ونزع «القصديرات» التي تحمل أسماء ترمز للدولة الاستعمارية، بالنظر إلى أنهم ينوبون عن الإمام الأكبر بحيهم أو دربهم. 
ولا الجمعيات تعبأت للمطالبة برد الاعتبار لأزقة البيضاء وشوارعها وتعويضها بأسماء مناطق مغربية أو مشاهير مغاربة أجلاء أو اقتراح أسماء أجنبية من باقي دول العالم والحضارات العالمية، قدمت قيمة مضافة للإنسانية في مختلف المجالات (طبية، أدبية، فنية، علمية، رياضية، فلسفية، موسيقية، إلخ...)، بالنظر إلى أن المجتمع المدني اليقظ هو المؤشر على صحة البلد ومناعته.
لا أحد من هؤلاء قام باللازم لتحرير أزقة وشوارع الدار البيضاء من ذل فرنسا وطالب باستعادة أسماءنا ورموزنا وأبطالنا وأساطيرنا وكل العتادالثقافي الذي يجعلنا أمة ذات خصوصية ثقافية ضاربة جذورها في عمق التاريخ. وهم بهذا الموقف الخنوع يكونون في حكم المتواطئين على العاصمة الاقتصادية وساكنتها، بل وعلى المغرب والمغاربة أجمعين، حين رموا بأسلحتهم وتركوا المدينة عرضة لهذه الحرب الوسخة التي تشنها فرنسا علينا؛ حرب الرموز التي لا تقل ضراوة على باقي الحروب الإعلامية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والديبلوماسية؛ إذ تتجاوز ما هو ثقافي لتصل إلى كل مجالات الحياة، بل تصل حد المس بالسيادة التي تبدأ بالرموز وتنتهي بالرموز.