الطيار: لماذا الجزائر متهمة برعاية الإرهاب في شمال مالي؟

الطيار: لماذا الجزائر متهمة برعاية الإرهاب  في شمال مالي؟ د .محمد الطيار وفي الأطار الأول عبد الرزاق البارا وفي الإطار الثاني حسان حطاب المدعو أبو حمزة
يعود وجود تنظيم" الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائري في منطقة شمال مالي إلى سنة 2003 ، قبل أن يتحول عام 2007  إلى تنظيم "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي"، وقد ارتبط هذا الوجود بمختار بن محمد المختار (جزائري من مواليد 1972 .اختفى مند سنة 2013)، المعروف باسمه الحركي خالد أبو العباس وتلقبه الصحافة الجزائرية بـ "لعور أمير الصحراء" أو"مالبورو"، وهو لقب اكتسبه كمهرب كبير للسجائر .

سنة 2003، عرفت كذلك عملية اختطاف  32 سائحا أجنبيا في صحراء الجزائر من طرف الجزائري  عمار الصايفي المكنى ب "عبد الرزاق البارا"، الذي عبر بهم الحدود باتجاه  شمال مالي قبل أن تنتهي محنتهم بدفع حكوماتهم فديات مالية ضخمة مقابل الإفراج عنه، هذه العملية، إضافة إلى غرس "تنظيم القاعدة" بقيادة مختار بن محمد المختار في شمال مالي، شكلت انطلاق امتهان أسلوب الفدية كوسيلة لتمويل  مختلف أنشطة التنظيمات الإرهابية  في منطقة الساحل الإفريقي، مما جعل منذ ذلك الحين الأموال  المتدفقة من عوائد الفدى أحد أهم الموارد المالية للجماعات القبلية المسلحة والتنظيمات الجهادية الناشطة في شمال مالي.

وقد هوجم عمار الصايفي بعد مرور شهور على دفع الفدية، وسلم من طرف "حركة الديمقراطية والعدالة" التشادية إلى ليبيا التي سلمته  بدورها إلى الجزائر، وحكمت عليه محكمة جزائرية غيابيا بالسجن مدى الحياة، ولم يتم إحضاره إلى المحكمة، وأعيدت محاكمته  غيابيا سنة 2005  من أجل النظر في القضية  ليتم إلغاء الحكم الصادر في حقه سنة 2007، وقد طالبت سويسرا بالإطلاع على ملفات عملية الإختطاف لسنة 2003 والإستماع إلى عمار الصايفي، فلم تلبي الجزائر هذا الطلب لإبعاد التهمة عنها، وقد كان عمار الصايفي رئيسا للحرس الشخصي لوزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار ما بين 1990 و1993م، وسبق وأن بعثه  إلى الولايات المتحدة الامريكية للتدريب مع القوات الخاصة من عام 1994 إلى 1997م. 

ويعيش حاليا بالجزائر تحت حماية الأمن العسكري الجزائري، كما هو الحال  بالنسبة للعديد من قادة  الجماعات المسلحة الارهابية كحسان حطاب المدعو أبو حمزة وهو عسكري سابق،  من مؤسسي "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" وأميرها من 1999 إلى 2003، ويعيش حاليا حرا طليقا منذ سنة 2007 مستفيدا من "قانون المصالحة"  الصادر سنة  2006 ، الذي شكل وسيلة للدولة استعملته من أجل حماية "إرهابييها " وإعادة  تدويرهم من جديد في الحياة العادية،  بل ومكن الدولة  أيضا من التكفل  بعائلات "إرهابييها"  بإصدار مرسوم رئاسيّ رقم 06-94 مؤرّخ في 29 محرّم عام 1427 الموافق 28 فبراير  سنة 2006، الذي " يتعلـق بإعانة الدّولة للأسر المحرومة التي ابتليت بضلوع أحد أقاربها في الإرهاب". و تطبيقا للمادّة 42 من قانون المصالحة التي تنص على :  " تستفيد الأسر المحرومة التي ابتليت بضلوع أحد أقاربها في الإرهـاب، من إعانة تمنحها الدولة، بعنوان التضامن الوطني. يمنح الحقّ في الإعانة   المذكورة أعلاه بموجب شهادة تسلّمها السلطات الإدارية المختصّـة. تحدّد كيفيات تطبيق هذه المادّة عن طريق التّنظيم."

كما أعطت المادّة  25  من نفس القانون الحق "للإرهابيي  السلطة" في العودة إلى وظائفهم السابقة بل والحصول على تعويض حيث  نصت على :   "لكـلّ من كـان مـوضـوع إجــراءات إداريـة للتسريح من العمـل قررتها الدولـة، بسبب الأفعال المتصلة بالمأساة الوطنية، في إطـار المهام المخوّلة لها، الحق في إعادة إدماجه في عالم الشغل أو، عند الاقتضاء، في تعويض تدفعه الدولة، في إطار التشريع المعمول به. تحدّد كيفيات تطبيق هذه المادّة عن طريق التّنظيم."  

ولازال "إرهابيي " الدولة  يستفيدون من قانون المصالحة ، حيث مثلا  "استسلم "  سنة 2017  حوالي 40  مقاتل من " الجماعة السلفية للدعوة والقتال"  في شمال مالي،  للجزائر في مدينة تمنراست  برعاية  فرنسا، من بينهم  عضو تنظيم القاعدة  العربي خليفة  المكنى "أبي ايوب" أمير سرية الفرقان الذي كان مطلوبا للعدالة مند سنة 2010 بسبب نشاطه الإرهابي. 
 
وبعد سنة 2012 أصبح تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"  في شمال مالي يضم عدة فروع  إلى جانب   "إمارة منطقة الصحراء" : "أنصار الدين"، "جبهة تحرير ماسينا"، جماعة "أنصار الإسلام" في بوركينفاسو، و إتحادا تنظيميا سمي ب "المرابطين" ضم كل من "كتيبة الملثمون" و"جماعة التوحيد و الجهاد في غرب إفريقيا "، والذي  شهد صراعا على موقع إمارة  الإتحاد  بين مختار بلمختار و أبوعدنان الصحراوي ( ينحدر من مخيمات البوليساريو. أعلنت  القوات الفرنسية  مقتله سنة 2021) على موقع إمارة  الإتحاد ، قبل أن يعلن الأخير  بيعته سنة 2015 م  لتنظيم "داعش" و يؤسس تنظيما خاصا به يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى"، الذي أضحى من أخطر وأشرس التنظيمات الإرهابية في العالم .

وقد شملت عمليات الجماعات التي تنسب نفسها  لتنظيم "القاعدة"، شمال مالي وليبيا وتونس والنيجر ونيجريا وموريتانيا وبوركينا فاسو وكوديفوار، حيث تضرب هنا وهناك مستفيدة من الدعم اللوجستيكي القادم من الجنوب الجزائري  بدون تدخل السلطات لمنع ذلك، ونفس الأمر يتكرر حاليا  مع التنظيم المستحدث بتاريخ 1مارس 2017، المسمى "نصرة الإسلام والمسلمين"  بقيادة إياد غالي، الذي أصبح يشكل منصة لكل التنظيمات في منطقة الساحل الإفريقي التي أعلنت بيعتها لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".

دور تنظيم "القاعدة" في إفشال مشروع  انفصال  منطقة أزواد. 
ولد إياد اغ غالي زعيم "تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين"  في بلدة "تنزواتن" ( Tinzawatene)، وهي بلدة صغير جزائرية على الحدود مع مالي، وتعتبر بمثابة المقر الحقيقي لرئيس "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"،  حيث يقضي معظم وقته في منزله ببلدة "تنزواتن" الجزائرية. 

لقد كان إياد أغ غالي "غامضاً" دائما، حيث تصف مجلة فورين بوليسي الأميركية ماضيه بأنه كان مليئا بشرب الخمر ومعاشرة النساء، وهو صاحب مسيرة مهنية متلونة كدبلوماسي و زعيم انفصالي متمرد، وناشط في الجريمة المنظمة ووسيط حكومي مع خاطفي الرهائن ففي العام 2003م ظهر في دور الوسيط بين أجهزة المخابرات الجزائرية والغربية وتنظيم " القاعدة "، كانت مهمته العمل على إطلاق سراح رهائن غربيين خطفهم عبد القادر البارا بإسم هذا التنظيم، وكانت وساطته "مثمرة " حيث نجحت في عودة الرهائن في مقابل  تقديم ملايين الدولارات كفدية، وكان أيضا كبير المفاوضين لدى السلطات المالية في مفاوضات أجرتها الحكومة مع متمردي الطوارق. ويفتخر أغ غالي بتوفرّه على مجموعة هائلة من مصادر المعلومات في باماكو والعاصمة الجزائر.

أراد أياد أغ غالي أن يكون السكرتير العام " للحركة الوطنية لتحرير أزواد" ذات التوجه العلماني عند الإعلان عن تأسيسها في نوفمبر2011 م، لكن تم رفضه  بسبب صلاته  بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و بالأمن العسكري الجزائري، مما شكل ضربة غير مباشرة للجزائر، وهو الأمر الذي دفعها إلى الدفع  بتأسيس "حركة أنصار الدين" بقيادة أياد أغ غالي، التي تصف نفسها بأنها حركة سلفية تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، وقد ساعدتها الجزائر من أجل السيطرة الكاملة على الشمال المالي لإفشال المشروع الانفصالي "للحركة الوطنية لتحرير أزواد". 

وفي هذا الإطار ذكرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية في مقال نشر على موقعها الالكتروني بتاريخ 4 سبتمبر 2012، أثناء تطور الأحداث في شمال مالي أنه: "..ورغم ما رُوِّج له إعلامياً بخصوص تحوّل آغ غالي إلى سلفي متطرف خلال فترة توليه منصب قنصل مالي في جدة (2003-2011م)، إلا أن العارفين بخفايا اللعبة الاستخبارية الإقليمية شككوا في ذلك. ورجحوا أن يكون الأمر مبيتاً من قبل الاستخبارات الجزائرية ضمن خطة تهدف إلى تشجيعه على تأسيس «أنصار الدين»..". 

وحين أعلنت آنذاك "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" استقلال إقليم أزواد من جانب واحد، أعلن إياد غالي بدوره عن رفضه لمشروع الاستقلال  وطالب  فقط بتطبيق الشريعة الإسلامية، ودخلت حركته إلى جانب الحركات المحسوبة على تنظيم " القاعدة" في مواجهات مسلحة مع "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" انتهت بهزيمتها. وأثناء هذه المعارك أوردت صحيفة ( Zénith Balé) المالية في 27 من شهر يناير 2012م، بأن إياد غالي وصل برفقة سبعة وهم "مصابون بشكل بالغ" بقذائف صاروخية إلى مستشفى مدينة برج المختار بالجزائر قرب الحدود مع مالي، وسجل أيضا توجه مروحية عسكرية جزائرية خصيصاً إلى مدينة "غاو" لنقله إلى "تامنراست" في الجنوب الجزائري  للعلاج عندما أصيب مرة أخرى. 

وخلال اندلاع المواجهات بين"الحركة الوطنية لتحرير أزواد " و"حركة أنصار الدين" مدعومة  "بإمارة الصحراء" التي تنسب نفسها لتنظيم" القاعدة" ، أشارت العديد من المعطيات إلى قيام الجزائر بتقديم الدعم المالي والعسكري إلى تنظيم "أنصار الدين" الذي يقوده إياد أغ غالي، ومده بأطنان من المساعدات الإغاثية للإشراف على تقديمها للمواطنين المحتاجين في مناطق الطوارق من أجل تقوية شعبية الجماعة ومقاتليها، وضرب مصداقية" الحركة الوطنية لتحرير أزواد".

لقد لجأت الجزائر في يناير 2012م، لمنع  انفصال  منطقة أزواد، إلى توظيف رجلها في المنطقة إياد أغ غالي بشكل كبير وملحوظ، فالمناطق الجنوبية تشكل خاصرة الجزائر الاقتصادية، حيث أغلب ثرواتها الطبيعية  تتقاطع مع الشمال المالي الذي يحتوي على مقدرات اقتصادية هائلة قد تؤدي إلى ضرب الاقتصاد النفطي الجزائري في حالة إنفصال  أزواد، ف40% من نفط الجزائر يتم استخراجه من مناطق الطوارق في الحدود مع شمال مالي.

الجزائر التي تملك حدودا بطول 1330 كلم مع مالي، تمثل لها منطقة أزواد في جنوبها تهديدا أمنيا محدقا، حيث تخاف من بروز تنظيمات في أوساط الطوارق الجزائريين، تتبنى مطالب انفصالية على غرار الطوارق في أزواد شمال مالي، ولهذا تأسست مصالح الجزائر على المعارضة التامة لانفصال إقليم أزواد  بل واستقراره، وبذلك ظلت متهمة طيلة السنوات الماضية، خاصة من جيرانها، بتغذية الصراع المسلح في المنطقة والتنسيق مع الجماعات المتطرفة، كما  أكدت العديد من التقارير الصحفية  الفرنسية والأجنبية أن الدولة الفرنسية على علم بمقر إقامة  إياد اغ غالي زعيم "تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين" في بلدة "تنزواتن" الجزائرية، ولم تستهدفه  كما هو الحال بالنسبة  للعديد من زعماء الإرهاب كأ بو زيد، عمر ولد حماحة،  محمد ولد نويني، جمال عكاشة، عبد المالك  دروكدال، باه أغ موسى، أبوعدنان وليد الصحراوي ... قتلتهم فرنسا  بواسطة الطائرات المسيرة .
 
د .محمد الطيار / باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية