في الحاجة إلى خلق فضاءات خضراء ورد الإعتبار للحدائق الفوسفاطية باليوسفية

في الحاجة إلى خلق فضاءات خضراء ورد الإعتبار للحدائق الفوسفاطية باليوسفية مناظر من مدينة اليوسفية مع مشهد لنافورة حديقة الحي المحمدي
مدن مغربية كثيرة تفتقر إلى أحزمة ونطاق أخضر ينط مدارها ومجالها، ومدن أخرى تئن من شدة التلوث البيئي المتعدد المصادر في غياب ثقافة بيئية ومعمارية تعيد الإعتبار للإنسان ومحيطه البيئي وتحميه من الأمراض الخطيرة ذات الصلة بضيق التنفس (الربو)، حيث لا نلمس على أرض الواقع مشاريع بيئية ترتبط بتشجيع التشجير، وخلق فضاءات غابوية وحدائق تلطف الجو، وتستقطب جحافل المواطنين الباحثين عن لحظة استجمام هروبا من حرارة الصيف المفرطة.

النموذج الذي كان يضرب به المثل على مستوى المدن المتوسطة والصغيرة التي تبهر الزائر بمغروسات حدائقها وأشجارها ونخيلها مدينة اليوسفية الفوسفاطية التي تراجع غطائها النباتي وتقلصت حدائقها وفضاءاتها الخضراء.  
 
حين كانت مدينة اليوسفية (لويس جونتي) تتوفر على نطاق وحزام بيئي أخضر من الغابات والحدائق والبساتين الجميلة بورودها وأزهارها، ومختلف الأشجار الوارفة الظلال، والتي "غرسها" وتركها المستعمر الفرنسي، لم يكن صيف الكنتور تؤثر حرارته المفرطة على صحة وسلامة الإنسان، ولم يكن صهد "كشكاط" يقض مضجع الساكنة الفوسفاطية سواء بالحاضرة الفوسفاطية بالحي المحمدي الذي كان ينطه حزام أخضر يسر الناظرين يتكون من أشجار الكاليتوس الباسقة وشجر لبزار...إلى جانب مئات أشجار النخيل الشامخة، حيث كانت مصلحة الشؤون الاجتماعية بقطاع الفوسفاط تعج بالعمال في مجال البيئة والبستنة إلى درجة كان محيط شوارع وأزقة "ديور النصارى" يشبه إلى حد كبير مدينة أوروبية بكل مقوماتها البيئة. لكن بعد تفويت فيلات وسكنيات الحاضرة الفوسفاطية للأطر والعمال ودخول الجماعة الترابية باليوسفية على خط تدبير شأنها المحلي تراجع كل شيء له صلة بالهندسة المعمارية الرائعة واختلت الموازين البيئية.
 
نفس الشيء يقاس على أحياء المدينة برمتها على مستوى الملحقات الإدارية الثلاث التي تفتقد اليوم إلى شروط الحياة البيئية السليمة، وكأن المواطن اليوسفي يرغب في العيش بمحض إرادته وسط بؤس النقط السوداء والحرمان من حقوقه البيئية، أو كأن المواطن بهذه المدينة اليتيمة لا يؤدي ضرائب للخزينة تستفيد منها الجماعة الترابية التي أضربت عن تقديم خدمات بيئية في مستوى وعي وثقافة الساكنة.
 
فبالله عليكم أيها المنتخبون والمنتخبات، كم من حديقة أحدثها المجلس الحضري منذ بداية العمل الجماعي إلى حدود اليوم بأحياء المدينة، يتوسل الناس متنفسها البيئي، ويلوذ إليها النساء والأطفال وكبار السن من المتقاعدين الفوسفاطيين، وقت الشدة والضغط النفسي للظفر بلحظة استمتاع والإستفادة من جمال أشجارها وورودها وأزهارها؟
 
حتى الغابة (غابة العروك) التي كانت تقاوم التلوث وتعتبر رئة المدينة التي تتنفس بها ليل نهار تم الإجهاز على أشجارها وفضاءاتها، وتحولت بقدرة قادر إلى ملجأ "رِيعِي"، بعد أن كان الناس ينتظرون ويترقبون إحداث مشروع منتجع صيفي وربيعي وسط أشجارها ومساحاتها العريضة، ولم يتحقق منه أي شيء يذكر خلال فترة عامل الإقليم السابق (عدي) باستثناء تسييجها بحائط إسمتني التهم ملايين الدراهم، وتحولت في زمن "العمالة" إلى مطرح للنفايات الصلبة أمام أنظار من يدبر شأننا المحلي !!!؟
 
أما الحديث عن وسط المدينة وحديقتها الكارثية المقابلة لمحطة القطار، والتي التهمت أكثر من مليار سم، فقد تحولت إلى وصمة عار على جبين من يتحمل مسؤولية التدبير المحلي، حديقة بئيسة لم تصمد أمام اللامبالاة وعدم الاهتمام بفضائها وأغراسها ونافورتها، حيث تحولت إلى وكر لـ "الطُّوبَّةْ" والجردان الضخمة، وتجمعت في أركانها أنواع النفايات البلاستيكية والأزبال، وتعرضت للتدمير المفتعل، وسرق منها رخام الكراسي...ومع ذلك ظلت ملاذا للساكنة التي تنتظر من يعيد البسمة لأشجارنا التي تتساقط واقفة.
 
وحتى نساهم في وخز مؤخرة الجالسين على كراسي تدبير الشأن المحلي بجماعة اليوسفية، نهمس في آذانهم بالقول أنه "كلما زاد الغطاء النباتي كانت المياه أنظف والجو ألطف" حسب تقارير بيئية تدق ناقوس الخطر المحدق بمجالنا، والتي تؤكد أننا في أمس الحاجة إلى أن ندرك أهمية الشجر والأغراس والمناطق الخضراء بمحيط الإنسان.
 
إن رجال ونساء البيئة يشددون على أن فائدة غرس شجرة واحدة بإمكانها أن "تمتص حوالي 20 كلغ غبار في السنة"، وأن شجرة واحدة قادرة على أن "تبتلع 80 كلغ ترسبات تحتوي على معادن سامة مثل الزئبق، والليثيوم، والرصاص وما شابه ذلك من سموم". بل أن شجرة واحدة بإمكانها أن "تصفي وتطهر حوالي 100 ألف متر مكعب هواء ملوث في السنة". فضلا على أن شجرة واحدة بإمكانها أن "تنتج 700 كلغ أكسجين، وتستوعب 20 طن من ثاني أكسيد الكربون"، دون الحديث على أن الشجرة الواحدة "تساعد على تنظيف درجة حرارة البيئة في الصيف حتى 4 درجات". بالإضافة إلى أن الشجرة الواحدة المغروسة قرب منزل مواطن "تشبه جدارا واقيا ضد الصوت يصد الضجيج، ويخفف من شدته"...نعم يمكن لشجرة واحدة أن "تكون ملاذا وبيتا لعشرات العصافير والطيور". وتحمي المجال والإنسان من التلوث البيئي كيفما كان نوعه ومصدره.