"لا" هي المقابل لـ"نعم"، والتي لا يستقيم معناها، بل وجودها إلا بحضور "لا" ...
لكن، "لا" التي تعنينا، تلك التي تقدم بديلا، هي التي ترفض وفق قواعد، وبلغة للحوار، وتختم رفضها باقتراح بديل...
"لا" التي نفكر فيها، لا علاقة لها بـ"لا" العدمية، التي تُشهر دون سبب ودون غاية...
نهتم بـ"لا" المؤسساتية، لانه لا غنى لنا عنها، فهي التي تقدم مقابلا لما هو موجود، وهي التي تجعل "نعم" تكتمل صورتها وغايتها...
تحتاج "لا"، لكي يكتمل نضجها، إلى رجالات للدولة، يثيرون مصلحتها على غيرها، بسعة للإدراك، وبأفق واسع للتوقع، وجرأة للترافع...
ليست "لا" كلمة تقال هكذا...إن لها حمولة، لها خلفية فكرية ولها برنامج تناضل من اجله، ولديها عرض تطرحه بديلا لما هو كائن...
نبحث عن "لا" ذات المواصفات المذكورة فلا نجد لها أثرا…وذِكرها بقي محصورا لدى مؤرخي "السياسة"، يتحدثون عن فلان الذي جهر بـ"لا"، وعن حزب عتيد قال "لا" ذات مرة، وعن سياسة أقبرت لأنها ووجهت بـ"لا"...
بدون "لا" المؤسساتية، يعتل النسق، ويحتل مكانها الدخلاء، ويفقد التوازن سنده، وتصبح "نعم" بلا محاور موثوق...
تزداد الحاجة إلى "لا" في مراحل الإصلاحات الكبرى، وفي أزمنة الانتقال، والتخطيط الاستراتيجي...فـ "نعم" تحتاج إلى مُرافق لها في مسيرة الإصلاح، تحتاج إلى ضمير متقد، يقظ، مصاحب...إلى من ينبهها، إلى قناة وسيط لخطاب لا تحمله، إلى مصالح لا تعبر عنها، إلى رؤى لا تحركها...
وحين يضطرب التوازن، فإن "نعم" ليست المسؤولة عنه، في كل الحالات وفي كل الأحوال، فـ"لا" تساءل عنه أيضا، وعن مدى أدائها لدورها، ولماذا فرطت في منصبها، فاحتله، دون وجه حق، الفايسبوك والمؤثرين وصناع المحتوى...وفي بعض الأحيان تتطفل مكونات من "نعم" على موقع "لا" فتمارسه مضطرة لأنها لم تجد من يقوم بعمل "التنفيس" والانصات الضرورين لمواجهة احتقانات قائمة أو مفتعلة...
فهل تعود "لا" إلى سابق عهدها؟ وتؤمن بأن لها دور مؤسساتي عليها أدائه بانتظام واتزان؟ أم أنها ستتوارى عن الأنظار معلقة فشلها على حيوانات الحديقة، وعلى جاذبية المؤامرة، وعلى المخلوقات غير المرئية؟ أو أنها ستبحث عن "غزة" والأقرب لها "تازة"؟
ليست "نعم" دائما على صواب...لذلك خلقت "لا"...لكن "نعم" ليست مسؤولة عن تلكئ "لا" وغيابها...كما أنها ليست مستعدة للعب دورها...فيكفيها ما هي فيه...ولتتحمل "لا" مسؤوليتها أمام التاريخ وأمام حكمه...
د. حنان أتركين، عضو لجنة الخارجية بمجلس النواب