بعد 40 عاما.. لماذا قالت فرنسا لا لتسليم إرهابيي الألوية الحمراء لإيطاليا؟

بعد 40 عاما.. لماذا قالت فرنسا لا لتسليم إرهابيي الألوية الحمراء لإيطاليا؟ الارهابيون الإيطاليون الذين رفضت فرنسا تسليمهم إلى إيطاليا
 رفضت محكمة النقض في باريس بشكل نهائي طلب تسليم عشرة عناصر منتمين إلى تنظيمات إرهابية إلى إيطاليا بعدما بدأت المحاكمة عام 2021 على إثر اعتقال الزعيم السابق ل "الكفاح المستمر"  جورجيو بيتروستيفاني وزعماء "الشغيلة المستقلة" و"النواة المسلحة للقوة الإقليمية المضادة" وآخرين.
وصلة بالموضوع، في يونيو من العام الماضي، عارضت محكمة الاستئناف في باريس طلب الحكومة الإيطالية، وبررت قرارها بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والاندماج وكبر السن والتشكيك في القضاء الايطالي وغيرها من التبريرات السياسية. وأن من أصل 200 إسم قدمته حكومة روما تم التوصل إلى حل وسط مع الطرف الفرنسي بشأن مشروع ترحيل تسعة مدانين سابقين بالإرهاب بالإضافة إلى جورجيو بيتروستيفاني، المتهم بقتل الكوميسير لويجي كالابريزي. كعادته، قدم الرئيس ماكرون نفسه بالمناسبة كراعي كبير للمبادرة، مدعيا أنه اخترق "عقيدة ميتران" (التي حالت دون عمليات الترحيل). لكن تم الإفراج عن العشرة في غضون أيام قليلة في انتظار صدور قرار قضائي نهائي. 
 
تعرض هذا القرار لردود فعل قوية في إيطاليا وتناولته جميع الجرائد في صفحاتها الأولى ووكالات الأنباء والقنوات التليفزيونية.
"غير مفهوم قرار محكمة النقض الفرنسية القاضي بعدم تسليم، إلى إيطاليا، 10 إرهابيين سابقين ينتمون إلى الألوية الحمراء وأبطال سنوات الرصاص المتعطشين للدماء. إنها صفعة لأمتنا ولأسر الضحايا"، هكذا عبر طوماصو فوتي، رئيس فريق حزب إخوة إيطاليا في البرلمان. بينما نشر غالياصو بينيامي، نائب وزير البنية التحتية والنقل ما يلي: "لقد انتظرنا لسنوات للحصول على إجابة. تم الآن رفض تسليم إرهابيين خطيرين منتمين للألوية الحمراء. يستند قرار القضاء الفرنسي على احترام الحياة الخاصة والعائلية والحكم القضائي غيابيا. لقد فهمتم الأمر بشكل جيد: تم إنقاذ قتلة ومجرمون بواسطة بهرجة قضائية. لذلك نسأل هؤلاء السادة: ما مدى احترامكم للضحايا وعائلات الضحايا؟ ما مدى الاحترام الذي أظهره هؤلاء المجرمون الذين لم يتفوهوا قط بكلمة توبة واحدة؟ ما مدى الاحترام في هذا القرار لأمة، لإيطاليا، التي أدانت هؤلاء المجرمين وتريد أن ينتهي بهم الأمر إلى حيث يجب: إلى السجن." ويعتبر هذا الرفض إهانة لضحايا العنف الإرهابي ويمثل خرقا للعدالة وتمتيع جلاديهم بالإفلات من العقاب بفضل قوانين فرنسا الاشتراكية.
في الوقت الذي كانت العدالة الفرنسية "تقضي بقطع الرأس" بدون محاكمة، قررت فرنسا وسط ثورة دائمة، عدم ترحيل 10 شيوعيين قتلة من "الألوية الحمراء" و"الكفاح المستمر"، لأنها حكمت على قضائنا بالغير العادل وأنها احتفظت بهم لأنهم تطهروا وصنعوا حياة. إنه حكم مزدري يسيء إلى موتانا على أيادي هؤلاء القتلة ولا يعير احتراما لعدالتنا ولأمتنا. قاطعوا كل ما هو فرنسي." يقول جيوفاني تريغونا. 
"هذا يبرز أنه لا قيمة لنا في أوروبا"، هكذا صرح بمرارة جيوفاني بيراردي، رئيس جمعية الوطنية لضحايا الإرهاب، وابن الماريشال روزاريو بيراردي، الذي اغتيل على يد الألوية الحمراء في 10 مارس 1978. "في هذه السنوات الخمس والأربعين منذ مقتل ألدو مورو (رئيس الوزراء)، لم يتم فعل أي شيء تقريبا لضمان محاكمة هؤلاء القتلة والإرهابيين. ومادام وجود ضحايا فسيظلون دائما إرهابيين"، يضيف بيراردي موضحا أن "هؤلاء الأشخاص مدعومون من قبل لوبيات قوية للغاية، ولديهم سلاح الابتزاز عبر رفاقهم القدامى الذين يشغلون الآن مقاعد مؤسساتية مهمة، وبالتالي كانت النتيجة واضحة بالفعل. للمرة الألف، كما في حالة تشيزاري باطيستي الذي كانت كارلا بروني، زوجة ساركوزي، تحميه وتداعبه". 
وقال أنطونيو نيكولوسي، الأمين العام للجمعية النقابية للدفاع عن موظفي الكارابينيري: بحجج الحق في الحياة الخاصة والعائلية ترفض محكمة النقض تسليم عشرة إرهابيين إيطاليين سابقين. فمن سيضمن تحقيق العدالة للعائلات ضحايا اعتداءاتهم؟ من سيدفع ثمن ما فعلوه؟  لا توجد عدالة في نسيان الجرائم"، واستىسرل، "مرة أخرى تطبق فرنسا قانونها الخاص متجاهلة الحقوق الكونية وتلطخ الشعب الإيطالي، كل ذلك بحماية القتلة الذين لم يعبروا عن توبتهم أبدا. لن تتوقف النقابة أبدا عن المطالبة بالعدالة لمن عاشوا خلال سنوات الرصاص وهم يؤدون بجلدتهم ثمن الإرهاب السياسي، بما في ذلك العديد من الزملاء في القوات المسلحة والشرطة. نتمنى أن يجد وزير القضاء نورديو حلا آخر يجعل الشرعية تنتصر وتكفل كرامة عائلات الضحايا، التي أساء لها بشدة قرار محكمة النقض الفرنسية". 
وعبر حزب الرابطة (الليغا) عن امتعاضه لقرار النقض الفرنسي: "إنهم يرفضون الأطفال المهاجرين على الحدود لكنهم يدللون عناصر الألوية الحمراء القتلة".

 
منشور رئيس فريق حزب إخوة إيطاليا طومازو فوتي يطالب فيه بإنصاف ضحايا إرهاب الألوية الحمراء
عقيدة ميتيران 
وللتذكير أن "عقيدة ميتيران" 1985 التي تتخذ إسم الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران التي لا ترقى إلى قانون والتي سمحت لعشرات الإرهابيين الأجانب بالاستقرار في فرنسا على مدى العقود الأربعة الماضية، تنص على عدم تسليم المتهمين أو المدانين، المطلوبين لارتكابهم "أعمال عنف ذات طبيعة سياسية" ضد أية دولة باستثناء الدولة الفرنسية، وتم استبعاد الذين ارتكبوا أي عمل من أعمال "الإرهاب النشيط، الواقعي والدموي" (الكفاح المسلح كما كان يعرف في الستينات والسبعينات وفي الثمانينات من القرن الماضي)، لكن فقط للالتفاف السياسي على مطالب إيطاليا بالترحيل. واستفاد حوالي 300 إيطالي من عقيدة ميطيران الذين فروا إلى فرنسا وقطعوا جميع العلاقات مع تنظيماتهم الأصلية. 
قرار يفضح انتهاك حقوق الإنسان من طرف فرنسا. 
وبذلك يكون قرار رفض التسليم قد أكد أنه لا فرق بين الأمس واليوم وأن الخلاف بين إيطاليا التي عانت الويلات والإرهاب في سنوات الرصاص وبين فرنسا في عهد ميطيران الذي استثمر في قضية حقوق الإنسان ليس في بلده طبعا، هو نفسه الذي يتكرر الآن لكن بتلوينات الإندماج، الاستقرار والأسرة للتغطية على الإرهاب وتكريس الإفلات من العقاب. ولا غرابة أن يعبر أحد المستفيدين من النقض عن نشوة عارمة، "كم يجعلني النقض الفرنسي أستمتع ..."،  هكذا علق إنريكو جالموزي، مؤسس كتائب الخط الأمامي المقاتلة، المدان بقتل المحامي إنريكو بيدينوفي والشرطي جوزيبي سيوتا. 
 من هم الإرهابيون العشرة السابقون الذين رفضت فرنسا تسليمهم إلى إيطاليا؟ 
كان جورجيو بيتروستيفاني أحد مؤسسي "الكفاح المستمر" Lotta Continua وحُكم عليه بالسجن لمدة 22 عاما كأحد المحرضين على مقتل الكوميسير لويجي كالابريزي  في 17 مايو 1972. 
رافايلي فينطورا، منتمي للتنظيم السري "الشغيلة المستقلة" Autonomia Operaia وحُكم عليه بالسجن لمدة 20 عاما في مقتل الشرطي أنطونيو كوسترا. 
لويجي بيرجامين من PAC "البروليتاريا المسلحة من أجل الشيوعية" حوكم ب 25 عاما في جرائم التمرد والعصابة المسلحة والتواطؤ في الاغتيالات. 
حُكم على نارتشيسو مانينتي بالسجن المؤبد على إثر مقتل ضابط الشرطة جوزيبي جوريري. 
أما الأعضاء السابقون في الألوية الحمراء، فيجب أن يقضوا عقوبات لجرائم مختلفة منها القتل والاحتجاز وغيرها. 
ويسلط الضوء على سيرجيو تورناغي، المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة قتل ريناتو بريانو، وعلى المرأتين روبيرطا كابيلي ومارينا بيتريلا، اللتين حكم عليهما بالسجن مدى الحياة بتهمة القتل وجرائم أخرى. 
وحوكم جيوفاني أليمونتي ب11 عاما، وماوريتسيو دي مارزيو 5 سنوات، وإنزو كالفيتي 18 عاما و 7 أشهر.