عبدالله بوصوف: المقابلة مقابل المكالمة بين ماكرون وتبون...!

عبدالله بوصوف: المقابلة مقابل المكالمة بين ماكرون وتبون...! عبد الله بوصوف وماكرون وتبون
لا أعتقد أن مرور رئيس الجزائر " عبد المجيد تبون " بقناة الجزيرة القطرية في 23 مارس 2023..يجب أن يمر مرور الكرام ، ليس لـقـوة مضامينه أو لِـتَميز قراءاته للأوضاع الدولية و الآفاق الجيوستراتيجية…فالقائمين على النظام العسكري الجزائري دفعوا بذات الرئيس إلى تنظيم لقاءات دوريـة مع الاعلام المحلي أو مع قنوات أجنبية معـروفة بأجندتها السياسية و الاقتصادية سواء من روسيا أو فرنسا أو عـربية…حتى تعود الجميع على مستوى خطاب السيد الرئيس و على " مستملحاته السياسية " وعنتريات القـوة الضاربة في ملفات ساخنة كليبيا وتونس و سوريا و اثيوبيا..و دول الساحل…و..و..و دور الجزائر في ثورات دول أوروبية و تأسيس جمهوريات أوروبية انطلاقا من الجزائر و تحرير جنوب افريقيا و تيمور الشرقية و غيرها من المفرقعات الإعلامية ..
وهو خطاب موجه أساسًا للاستهلاك الداخلي و تنفيسا عن الشعب الجزائري، وهو ينتظر دوره في طوابير الحليب و السكر و اللحم والبيض…
لكن مرد الأهمية هو التساؤل حول سببية الخروج و أسباب نزوله..إذ يمكن القول ـ مجازا ـ بقبول مبررات اللقاء الأول بقناة الجزيرة بتاريخ يونيو 2021 ، حيث تم تمرير رسائل تهم الوضع الداخلي و الفساد المالي والحراك الشعبي و تبرير الاعتقالات الجماعية لمسؤولين كبار وصفهم بالعصابة و اللصوص…كما تــم الحديث عن أزمة الانفصالي بنبطوش و زيارته الاستشفائية لاسبانيا.. و اختزل أزمته مع فرنسا في وجود لوبيـات مكونة أساسا من الحَرْكيـين..
فلـم نكن لنتساءل لو كان الضيف مثلا، هو الرئيس التونسي " قيس السعيد " نظرا للظروف المالية والاقتصادية الصعبة والازمة السياسية والعـزلة الدولية التي تعرفها تونس، وخدعة المساعدة ب 300 مليون أورو من طرف النظام الجزائري…
لم نـكن لنتساءل لو كان الضيف هو، الرئيس الإيراني للحديث عن المصالحة مع الشقيقة السعودية بوساطة صينية…
لم نكن لنتساءل لو كان الضيف هو، رئيس الحكومة الليبية للحديث عن الأوضاع هناك ومسألة اختفاء كميات كبيرة من اليورانيوم…وعن جديد الانتخابات الليبية...؟
خاصةً و أن الساحة الجزائرية لا تـعرف جديدا على المستوى الداخلي وأزمتها مع مطالب الحراك الشعبي و قمع الحريات..أو على المستوى الخارجي مادامت تنتهج فقط خطة " ردة الفعل " ، كما جاء على لسان الرئيس سواء في اللقاء الأول أو الثاني…فعندما أعلن المغرب مثلا في فبراير 2023 عن تقديمه ألفيْ طن من الأسمدة للمزارعين في دولة الغابون أثناء زيارة الملك محمد السادس…أعلن النظام الجزائري مباشرة عن ضخ مليار دولار في صندوق الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي التابعة لرئاسة الجمهورية..لتمويل مشاريع تنموية بإفريقيا…وهو رد فعل انفعالي و وعود وهمية ، في حين أن المغرب وفي إطار سياسته الثابتة قــدم منتجات الفوسفاط كهبة للمزارعين في رواندا و السنغال و موريتانيا..حيث خصص نصف مليون طن من الأسمدة للدول الافريقية نسبة كبيرة منها عبارة عن هبات و أخرى بسعر منخفض…
لذلك نعتقد أن أسباب تبرير المرور الأخير للـرئيس الجزائري في قناة الجزيرة تـفتقـد لأسباب موضوعية…ولأن ظهوره المتكرر أظهر عيوبه التواصلية و محدودية قدراتـه في الاقنـاع..فـقـد كان ضروريا توظيف خدمات صحافية تشترك مع الرئيس في الجنسية الجزائرية و في تسويقه لأطروحة الانفصاليين ونعني بها " خديجة بنقنة "، والتي عملت على تلقينه بقية السيناريو و كأنها تقوم بدور " الملقن المسرحي "…و بهذا يفقد اللقــاء موضوعيته و حياده الواجب إعلاميا حتى قبل بدايـته..
وقــد ظهرت جليا طيلة 26 دقيقة رغبة النظام العسكري الجزائري في توضيح موقفه المتبايـن من المتغيرات والتحالفات العالمية…خاصة علاقاته التقليدية بروسيا و فتح سفارة بكييف، وتواجد أكبر شركات النفط الأمريكية بالجزائر ومعاهدات استراتيجية مع إيطاليا وعقود سخية لشركات ENI الإيطالية و TotalEnergy الفرنسية و بريطانية وهولندية وألمانية...وإعفاءات ضريبية لشركات أجنبية أوروبية وعربية وصينية…
ورغم ذلك فقد ظهرت المنشطة " خديجة بنقنة " متحمسة بلقاء رئيس دولتها في قاعة اجتماعات مجلس الثورة..على الرغم أن الحقيقة التاريخية تـقول ان الثورة الجزائرية ولدت في مدينة الناظور بالمغرب وتفرعت في ليبيا وتونس ومصر..وتكونت حكومة المنفى فاوضت الجنرال ديغول …وان إعلان نتائج الاستقلال المشروط سنة 1962 هو بالطبيعة إعلانا عن نهاية مجلس الثورة والحكومة المؤقتة..!
أسئلة الصحافية الجزائرية كانت " مخدومة " على مقاسات الصحراء المغربية و إغلاق الحدود و نقطة اللاعودة ومغازلة الشعب الاسباني ، والقول بأن موقف الاعتراف الاسباني بالحكم الذاتي هو موقف فردي لرئيس الحكومة…عنـدها قدمت له مساعدة على شكل سؤال استنكاري حول افتتاح قنصليات بمدن الصحراء المغربية…ليجيبها بأنها فولكلور ديبلوماسي…بل حتى عند جوابه عن الجارة تونس، فـقـد ربط مآسيها بيوم استقبال الانفصالي غالي..في محاولة لشيطنة المغرب..في حين انه لم يف هو بتعهداته المالية اتجاه تونس ونصب نفسه ممثلا عن تونس في لقاءه بمسؤولين ايطاليين كبار وتسبب في اقالة وزير الخارجية التونسي في ملف " أميرة بوراوي "…
لقد خصص اللقاء نصيبا وافـرا من الغـزل لدولة قطـر، مقر قناة الجزيرة و مُـشغلـي أبـواق الجزائر بالخارج كخديجة بنقنة و المعلق الرياضي الدراجي..حيث وصفها بأكبر مستثمر عربي بالجزائر.. مما يعني انها تجاوزت استثمارات الامارات والسعودية...!
و لأن المعني باللقـاء هو المغرب و الصحراء المغربية، فـقـد غابت ملفات دولية ساخنة…كالوضع الداخلي في ايران و تركيا و المصالحة الإيرانية/ السعودية و زيارة رئيس سوريا لدولة الإمارات..و لم تُـذكِّـرْهُ من قامت بدور " الملقن المسرحي" بمساعدات الجزائر لسوريا عقب زلزال شهر فبراير الماضي..بل أرجع فشل وساطة الجزائر و الجامعة العربية في الحرب الأوكرانية…إلى الجامعة العربية ، و أضاف أن الأمر كان سيكون مختلفا لو ذهبت الجزائر وحدها..!
من جهة اخرى، فإعلانه عن زيارته باريس في ماي القادم أولا، ثم موسكو " بعد إلحاح " من الرئيس بوتين في نفس الشهـر...جاء في قالب " القـوي المنتصر " و ليس كمن يقدم ثروات بلاده مقابل غنائم سياسية رخيصة، أو كمن ينتظر مجرد مكالمة من " ماكرون " ليعلن عن عودة السفير إلى باريس…و القبول بنصف الحقيقة في ملف " أميـرة بوراوي " و القول بإزالة اللبس…فهل سيحمل معه جماجم اللصوص و يعود بجماجم المجاهدين من باريس..؟ هل سيوقع على عودة الجزائريين الغير مرغوب فيهم..؟ و اين وصل السجال السياسي و التاريخي من ديغول الى ماكرون حول عدم وجود الأمة الجزائرية و الذاكرة المشتركة..؟ وهل سيشجب احتفال فرنسا بالحرْكيين…؟ و بماذا سيبرر لبوتين زيادة تدفق الغاز الجزائري نحو أوروبا في زمن الحرب الأوكرانيةو العقوبات الأوروبية. ..؟ أم أن تسهيل تواجد " ميلشيات فاغنر" في الساحل و مالي و طرد فرنسا منها سيشفع له أمام بوتين..؟
لقد غابت الموضوعية و الحياد في لقاء تبون بالجزيرة…إذ لعب دور الضحية و الجلاد معا و بمساعدة مواطنته و فوق أرضه…فهل ستحترم الجزيرة شعارها الرأي و الرأي الآخـر، بتنظيم برنامج لقــاء خاص لأحـد المسؤولين المغاربة بالرباط للرد على مغالطات الرئيس الجزائري..؟ و من يُـقنعنـا بأن اللقـاء لم يكن بأوامــر جهات خارجية أكبر من تبــون و من النظام العسكري الجزائري …؟