رسالة إلى عملاء «كوريا الشرقية»: الملك يقيم في قلوب المغاربة!

رسالة إلى عملاء «كوريا الشرقية»: الملك يقيم في قلوب المغاربة! عبد الرحيم أريري
يشكل شخص الملك والمؤسسة الملكية بشكل عام، في الفترة الأخيرة، الموضوع الأول للحملات التي يشنها ضدنا أعداء المغرب، سواء منهم هؤلاء المقيمين بيننا باعتبارهم «مناولي مكاتب انتداب»، أو هؤلاء المقيمين في «كوريا الشرقية»، وعبر امتداداتهم في المنظمات الإقليمية والدولية. 
المثير في تلك الحملات هو طابعها المتناقض المشروخ. ذلك أن الذين كان «يصدعون رأسنا»، لسنوات عجاف، بادعاء إلغاء الملك للفاعلين الدستوريين الآخرين، واحتلاله وحده للمشهد السياسي والإعلامي من خلال تواجده اليومي تقريبا، إما للإشراف على عمليات تدشين المشاريع التنموية، أو لتفقد جهات المملكة، هم أنفسهم الذين يعودون إلى أن «يصدعوا رأسنا» اليوم بادعاء غياب الملك!

لوضع الأمور في نصابها الطبيعي لابد من توضيح الصورة كما نفهمها على الأقل. ذلك أن هذه الحملات القائمة على الكذب والافتعال والإشاعة لا تنطلق من أشخاص يحبون الملك ويقدرون أهمية المؤسسة الملكية، أو يغارون على حاضر المغرب ومستقبله. بل هم بالعربي الفصيح مجرد «طارئين» على مجال الإعلام والسياسة، وعلى النقاش العمومي. بعضهم فشل في أن يكون معارضا سياسيا ذا مصداقية، أو رياضيا معتمدا على الصعيد الوطني أو الدولي، أو صحافيا وإعلاميا منضبطا لأخلاقيات المهنة، أو مستثمرا في الدهاء.
 
ولذلك انتهز هؤلاء فرصة التدفق الإلكتروني، وأكذوبة ما يسمى ظلما وابتذالا بـ «الإعلام البديل» ليحترفوا السب والشتم والابتداع جريا وراء تحقيق «البوز»، وخضوعا لموجبات «الأدسنس» الرهيب، وإرضاء للممولين الأجانب (جزائريين وأوربيين). ولتحقيق غاياتهم تنكروا لهويتهم رابطين جسور الخيانة والإذلال مع أعداء بلادنا بعد أن باعوا ضمائرهم قبل الوطن، وصاروا بذلك كيانات ممسوخة بلا ماض ولا حاضر ولا مستقبل. 

كذلك، ومن باب التوضيح دائما، فهذه الحملات لا يخطط لها خوفا على المغرب أو على مآلاته. بل هو الخوف من أن يتواصل إشعاع المغرب الإقليمي على الساحات الإفريقية والعربية والدولية بعد أن نجح في تحقيق مستوى عال من الاعتراف الدولي بسيادته على ترابه المحرر، وبعد أن تجاوز عدد الدول التي تعترف بوجاهة خطة الحكم الذاتي 90 دولة، وبعد أن تأكد أن المغرب صار قوة إقليمية بما يعنيه ذلك من معان، وضمنها تفعيل الشراكات مع إفريقيا وإنجاحها على قاعدة رابح رابح، وأنه عربيا صار موضع تقدير واحترام بعد نجاحه في مهمة رئاسة لجنة القدس التي يتولى أكبر نصيب في تمويلها ودعم مشاريعها الحيوية هناك، إضافة إلى انخراطه ضمن الصف العربي ضدا على محاولات التشييع أو التفتيت. هو الخوف أيضا من أن تنجح مساعي الملك في أن يحقق لبلاده مساحة إضافية على باب استكمال تحرير ترابنا الوطني، وتوطيد آليات الانفتاح الديمقراطي، واختراق آفاق جديدة للنهوض ببلادنا عبر الاستمرار في تنزيل مختلف الأوراش... 

ثم إن خوف هؤلاء ناتج عن وعيهم بخصوصية النظام السياسي المغربي القائم على إيلاء المؤسسة الملكية مكانة فعلية ورمزية يقرها الدستور الذي صادق عليه الشعب، وتثبتها الشرعيات التي تتمتع بها المؤسسة الملكية تاريخيا حضاريا ودينيا وأخلاقيا. ومن ثم فتلك الحملات، إذ تتجه نحو شخص الملك تحديدا وتجاه المؤسسة الملكية بشكل عام، فهي تتجه نحو هذا الموروث المغربي، وتتجه نحو مكانة هذه المؤسسة  الرمزية والدستورية، وتجاه هذه الشرعيات التي كرست المغرب باعتباره الدولة الأمة المتجذرة في التاريخ كما في وجدان المغاربة بخلاف الجزائر (كوريا الشرقية)، لقطاء التاريخ والجغرافية الذين لا أجندة لهم سوى التحرش بالمغرب تصريفا لعقدة الشعور بغياب الأنا، بل وبغياب الهوية...

 إن الأساسي، وفق تصورنا لما جرى ويجري، ليس هو الاستثمار البئيس لجدل حضور الملك أو غيابه. بل هو التأكيد على أن الملك هو أكثر المغاربة حرصا على الدستور، سواء من حيث ما يخصصه له من صلاحيات، أو من حيث ما يتقيد به من ضوابط. بدليل أن المغرب الرسمي لم يتخل، في يوم من الأيام، عن التزاماته الوطنية والدولية، ثم الدستورية في المبتدإ والمنتهى. وهذا بالضبط هو معنى أن تكون ملكا في بلد يسير نحو الديمقراطية، ملكا يعرف متى يعتلي الفضاء السياسي والإعلامي، ويعرف متى يترك هذا الفضاء للفاعلين الآخرين، سواء في الحكومة أو في البرلمان أو غيرهما من المؤسسات الدستورية.
فضاء واحد لا يغادره الملك ولن يتسنى له ذلك في أية لحظة وكيفما كانت الظروف هو قلوب المغاربة.