"الناطق باسم الحكومة" أم "الكذاب باسم الحكومة" ؟!

"الناطق باسم الحكومة" أم "الكذاب باسم الحكومة" ؟! عبد الرحيم أريري
لما اغتيل الرئيس الأمريكي كينيدي عام 1963، ازداد منسوب الجرعة لدى الرأي العام الأمريكي في الحق في معرفة كل ما يهم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا الحق في معرفة أين سيذهب ومتى سيخرج ولماذا تنقل ومن رافقه في التنقل، وبأي وسيلة تنقل ومن سيتولى حمايته في خرجاته.
 
طبعا الأمريكيون ليس لهم الوقت أو الإمكانية الفيزيقية لأجرأة هذا الحق، فتم التوافق حول آلية راقية تتمثل في توسيع هامش الصحافيين وهامش وسائل الإعلام. وذلك بإعادة النظر في وظيفة الصحافيين المعتمدين لدى البيت الأبيض، إذ أصبح لكل الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والإلكترونية مندوب يمثلها في البيت الأبيض، يتتبع كل تحركات رئيس الدولة لضمان حق المواطن الأمريكي في المعلومة، وهي الضمانة التي يجسدها تنوع وسائل الإعلام وتباين توجهاتها وخطها التحريري.
 
في المغرب يمكن أن نقيس الوضع بما بعد دستور 2011 الذي أحدث وثبة على ثلاث مستويات:
الأولى: أن الملك لم يعد له هامش تعيين سائقه (والعهدة على المرحوم الحسن الثاني) رئيسا للحكومة، بل أصبح هذا الأخير يختار من الحزب الذي احتل الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية.
ثانيا: أن الشأن الحزبي لم يعد مغلوقا أو ممنوعا على المواطنين تتبعه، بل أصبح الشأن الداخلي الحزبي (أيا كان لون الحزب) حقا لكل مواطن، لأن رئيس الحزب قد يصبح هو المقرر في السياسة العامة للمغرب غدا في حالة فوز هيأته بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، وبالتالي من حق المواطنين المغاربة معرفة كيف يصنع الرئيس المقبل للحكومة ومن هم رجالاته، وماهي انشغالاته وتصوراته وأهوائه وميولاته وإشراقاته وعيوبه، بل ومعرفة حالته الصحية، وهل هو قادر عقليا وجسديا على إدارة شؤون الدولة أم لا.
ثالثا: دستور 2011 قام بدسترة الحق في المعلومة، وهو الحق الذي ناضل الشرفاء بهذا البلد لعقود كي يتم تأمين أبسط حق من حقوق الإنسان ألا وهو تمكين المواطن من المعلومات ليتسنى له اتخاذ القرار الصائب.
 
للأسف، بقدر ما كان اغتيال كينيدي نقمة أثمرت نعما كثيرة على الشعب الأمريكي، وعلى رأسها تحصين الشعب بدروع بشرية ضد أي إشاعة أو تسريب مخدوم أو خبر زائف، بقدر ما كان دستور 2011 نعمة للحكومة ونقمة على الشعب المغربي الذي صوت عليه.
 
فالناطق باسم القصر بعد دستور 2011 (وهذا ما سبق لنا توضيحه في مناسبة سالفة)، كان دوره ينحصر في الوقوف سدا منيعا ضد الخرجات غير المتزنة لرئيس الحكومة آنذاك ، الذي كان منذ تعيينه في هذا المنصب، يطنب في استغلال اسم الملك بشكل «حامض». فتم الاهتداء لإعادة إحياء مؤسسة الناطق باسم القصر، حتى لا يبقى رئيس الحكومة عبد الإلاه بنكيران يطلق الكلام على عواهنه كلما تعلق الأمر بالملك.
 
والناطق باسم الحكومة، المفروض أن يكون أكثر حرصا على إخبار الرأي العام بالمعلومة الصحيحة بخصوص الغلاء وانهيار القدرة الشرائية واضطراب تموين الأسواق بالمواد الغذائية، نراه يتقمص هذه الأيام دور "غوبلز" أو دور «العلوج»، بتسميم الأجواء بمعلومات مغلوطة وأخبار كاذبة، وكأنه يتلذذ باسم الحكومة لترك المواطنين فريسة بيد الإشاعات و"الفايك نيوز". وما فضيحة تصريحه الأخير بشأن ثمن اللحم بالمحلات التجارية إلا خير دليل على اللامسؤولية واستحمار المغاربة.
 
تأسيسا على ذلك يستحسن تغيير اسم مؤسسة "الناطق باسم الحكومة" باسم "الكذاب باسم الحكومة" أو "المزور للوقائع باسم الحكومة" أو " ماكينة الفايك نيوز باسم الحكومة" !