المحامي الزرقاوي: كيف يعقل وأد حرية التعبير داخل مجالس مهنة المحاماة؟

المحامي الزرقاوي: كيف يعقل وأد حرية التعبير داخل مجالس مهنة المحاماة؟ المحامي الزرقاوي (يسارا)
أوقف مجلس هيئة المحامين بمكناس، محاميا عن ممارسة المهنة لسنتين مع النفاذ المعجل، وذلك بسبب تدوينات على "الفيسبوك" تنتقد جمعية هيئات المحامين حول تدبير الملف الضريبي للمحامين.
قرار التوقيف، لقي استياء كبيرا من قبل المحامين، وأعاد للنقاش سلطة مجالس الهيئات في اتخاذ مثل هذه القرارات المتعلقة بوجهات النظر وحرية التعبير..

يوسف الزرقاوي، رئيس جمعية المحامين الشباب بالدار البيضاء، تساءل كيف أن المحامي يعتبر من أول المدافعين عن حرية التعبير والرأي، وفي نفس الوقت تقوم بعض المجالس بوأدها داخل المؤسسات المهنية؟ وكتب قائلا: 
 
تعتبر الحصانة الداخلية للمحامي من المواضيع القديمة والحديثة في نفس الوقت، إذ لطالما نادى المحاميات والمحامين بضرورة تعزيز حصانة الدفاع، بل ويثار هذا الموضوع كلما ظهرت بعض حالات التضييق على الدفاع في ممارسة مهامه.

وإذا كان جانب من حصانة الدفاع ينصب على حماية المحامية والمحامي من المتابعات القانونية والقضائية عن الأفعال والأقوال والكتابات التي تصدر عنهم أثناء قيامهم بواجباتهم المهنية أو بسببها، وذلك وفق ما تقضي به المادة 58 من قانون المهنة التي تنص على أنه لا يمكن اعتقال المحامي بسبب ما قد ينسب له من قذف أو سب أو إهانة، من خلال أقوال أو كتابات صدرت عنه أثناء ممارسته المهنية أو بسببها، ويضاف إلى ذلك أيضا حصانة مكتب المحامي، فإن الظاهر أن الحصانة التي سعى إليها المحامي تبقى حصانة خارجية، خاصة في ظل ما تفاجئنا به بعض الهيئات في العديد من المناسبات من متابعات تأديبية تسعى لتكميم الرأي المعارض أو المخالف، وبالتالي فإن أول حصانة ينبغي أن يتمتع بها الدفاع هي الحصانة الداخلية، أي تلك الحصانة داخل هيئته بمناسبة تعبيره عن رأيه بشأن طريقة تدبير الأمور وتسييرها، أو بمناسبة مواقفه المهنية، أو بشأن مناقشاته وآرائه داخل الجموع العامة.

وهنا لا بد أن نطرح سؤالا أساسيًا؛ هل صرنا نعيش زمن المتناقضات حيث إن المحامي يعتبر من أول المدافعين عن حرية التعبير والرأي، وفي نفس الوقت نقوم بوأدها داخل مؤسساتنا المهنية؟

إذ من غير المقبول أن نسمع في هذه الألفية عن متابعة محامية أو محامي تأديبيًا بسبب ما صدر عنه من أقوال في جموع عامة أو بمناسبة مناقشته الشأن المهني.

مما يطرح تساؤلات أخرى؛ أي حصانة للمحامي في جموعه العامة؟! وهل الاحترام الواجب للمؤسسات المهنية يجعلها في منأى عن المحاسبة والنقد؟!

أعتقد أنه من يضيق صدره بآراء الآخرين، ومن لا يقبل النقد واختلاف وجهات النظر، يجب ألا يكلف نفسه عناء تقلد المسؤولية، فالمؤسسات المهنية لا تتصرف بالوحي وليست منزهة عن الخطأ، وفرق كبير بين أن تفرض الاحترام و بين أن تحاول إضفاء التقديس على نفسها.

وأذكر كل من يعتبر نفسه بتقلد المسؤولية أنه صار شخصا مقدسا وقراراته مقدسة، أن المغاربة استطاعوا في دستور 2011 ازالة عبارة شخص الملك مقدس والتي كانت في الدستور السابق.

وعليه فكما ناضل المحامي من أجل الحصانة الخارجية ويناضل من أجل تعزيزها في التشريع، أصبح لزاما أن يكون هناك نص تشريعي يؤسس للحصانة الداخلية، وما قد يتعرض له المحامي بمناسبة مناقشته للشأن المهني من مضايقات تصل في بعض الهيئات إلى استعمال آلية التأديب.

وجدير بالذكر أن مسطرة التأديب غايتها تخليق المهنة، لكن للأسف يساء استعمالها للتطهير بمعناه السلبي، أي إزالة كل من يخالف رأي المؤسسات المهنية. ولعل النقاش الذي يقتضي طرحه أيضا بهذه المناسبة ينبغي أن ينصب حول مسطرة التأديب بين غاية التخليق وأسلوب التهديد.