حتى لا تصبح الرباط عاصمة لكوريا الشمالية!!

حتى لا تصبح الرباط عاصمة لكوريا الشمالية!! عبد الرحيم أريري
من بين الأوراق التي يعتمدها نظام "كيم يونغ" الشمولي في كوريا الشمالية، لاستمالة النخب وتدجينها لتقوية تحكمه في البلاد، ورقة تعيين مكان العمل في "بيونغ يانغ"، عاصمة كوريا الشمالية. إذ إن حلم كل مسؤول بكوريا الشمالية (أيا كانت درجته ومنصبه) هو أن يحظى بالتعيين للعمل، وبالتالي السكن، في العاصمة "بيونغ يانغ"، لما توفره المدينة من خدمات ورفاهية العيش مقارنة مع باقي مدن كوريا الشمالية.
فنظام "كيم يونغ" (الأب والابن) حرص على ضخ كل إمكانيات البلاد في العاصمة "بيونغ يانغ" لجعلها تضاهي مدن الغرب وآسيا: طرق فسيحة، عمارات جيدة، منتزهات حضرية في كل مكان، ميترو الأنفاق في خطين، ترامواي مريح، حافلات ترولي العالية الجودة، حدائق الألعاب للأطفال في كل زوايا المدينة، مسابح مغطاة شبه مجانية، مدارس وجامعات مجهزة بالمختبرات والمعدات. 
 
ومقابل هذه العناية الفائقة بالعاصمة، وهنا المفارقة، ترك نظام "كيم يونغ" باقي تراب كوريا الشمالية يعيش في "الغيس" وأخرجه من رادار التخطيط الحضري والمتابعة اللصيقة واليقظة لإنجاز المشاريع وتوزيعها بشكل عادل على سكان ومدن كوريا الشمالية.
 
هذا النموذج الظالم في التخطيط الحضري هو ما ينطبق على المغرب، حيث نلاحظ أن جل الحكومات المتعاقبة على المغرب تهتم فقط بالرباط، على حساب المدن والمراكز الحضرية بباقي التراب الوطني. فالحكومات المغربية المتتالية تحرص على تمتيع الرباط بالموارد المالية اللازمة، لترميم الأسوار التاريخية وإحداث الطرق والأنفاق وصيانتها، وإقامة الحدائق والأحزمة الخضراء والإنارة العمومية وتجهيز الأحياء بملاعب القرب، واقتناء الجيل الثالث من الأثاث الحضري لوضعه بالشوارع والساحات، وتتبع الشادة والفادة في كورنيش الرباط، فضلا عن برمجة الاعتمادات المتنوعة لبناء وتجهير المرافق العمومية الأخرى (وحدات إدارية، مراكز صحية، مستشفيات، مؤسسات تعليمية، مراكز التنشيط، إلخ...).
 
وفي المقابل، نجد نفس الحكومات تتعامل بجفاء مع حاجيات المدن المغربية الأخرى ولا تباشر تتبع أوراش هذه المدن بنفس الحزم والجدية التي تحظى به أوراش الرباط.
 
المبرر السهل الذي تلجأ اليه التحاليل السطحية يتجلى في أن الرباط هي عاصمة الحكم ومقر الحكومة والبرلمان. وهذا، في نظري، لا يعتبر مبررا واهيا فقط، بل يعد سبة في حق المغرب والمغاربة وإهانة للدستور الذي ينص على المساواة بين المغاربة في الانتفاع من الخدمات ومن الثروة الوطنية، تحقيقا للعدالة المجالية وللإنصاف الترابي.
 
فالمغرب دولة موحدة، وليس دولة فيدرالية كل ولاية لها دستورها وبرلمانها وحكومتها المحلية. لكن على مستوى الممارسة نجد السلطات الحكومية تتعامل مع الرباط وكأنها "فاتيكان وسط الطاليان"! فيتم تهريب ضرائب المغرب والمغاربة من كل الجهات لضخها بمدينة الرباط. 
 
في مقال سابق نشرته بجريدة "أنفاس بريس"، بتاريخ 20 يونيو 2018، تحت عنوان : "اللي مو في الرباط مايباتش بلاعشا"، بينت أن الحكومة ترصد للمواطن في مدينة الرباط 16.267 درهما، في حين نجد نفس السلطات المغربية لا ترصد للمواطن بمدينة سلا المجاورة سوى 1080 درهم فقط!! ( أي مايخصص للرباط يساوي 15 مرة مايرصد للسلاوي !)، علما أن سكان مدينة سلا يتجاوز عددهم مليون نسمة، بينما سكان الرباط يحدد عددهم في 580.000 نسمة!
 
ولا يحتاج المراقب لأدلة للبرهنة على سياسة "الأبارتايد المجالي" الذي تعتمده الحكومة المغربية. فيكفي المرء أن يتجول بساحل الرباط وساحل سلا ليعاين الظلم و"الحكرة". فساحل الرباط مهيأ ومشبع بالملاعب والعشب والزفت والإنارة العمومية وبالتشوير الأفقي والعمودي، في حين أن ساحل سلا (حيث الكثافة السكانية الرهيبة) يوجد في وضعية جد كارثية ومهمل بشكل يوحي كما لو أن سلا تنتمي إلى جنوب السودان أو الصومال، وليس إلى دولة ينص تقطيعها الجهوي على أن سلا تابعة لجهة الرباط؛ أي لنفس الولاية ولنفس الجهة ولنفس مديرية الجماعات المحلية التي تتحكم في توزيع الموارد المالية!!! (طبعا لا حاجة لنا للتذكير بالبؤس الحضري في أحياء سلا، مثل سيدي موسى أو النجاح أو السهب أو الانبعاث أو الرحمة، وفي باقي الشوارع المهمة، مثل ابن الهيثم والرمان وطريق سيدي الطيبي، الخ....)
 
إذا كان هذا حال سلا القريبة من مركز القرار، فكيف سيكون حال المدن والمراكز الحضرية الأخرى بالمغرب؟
في كوريا الشمالية استغل النظام الشمولي السلطة لجعل "بيونغ يانغ" زاهية وبهية لترويض نخبه. وفي المغرب استغلت الحكومات المتتالية تحكمها في الموارد المالية وفي الصناديق السيادية وفي مديرية الجماعات المحلية لصرفها على الرباط للدوس على الدستور وعلى مبادئ الإنصاف والعدالة بين المدن وبين المغاربة!!