عبد الإله حسبي: رأي في اللغة

عبد الإله حسبي: رأي في اللغة عبد الإله حسبي
تبقى اللغة العربية متفوقة حتى على الذين يتقنونها، وهم ثلة في الوطن العربي. كم من مٌدرس للغة العربية، قواعدها، بلاغتها وعَروضها، يٌلم بسراديبها وتلابيبها وغياهبها... ؟
ولا أجدني أثير هذا الموضوع إلا لأني من الذين يٌحسون بالضعف أمام عظمتها، كمن يشاهد بحرا هائجا، ولو أني أنتمي إلى الجيل الذي تربى في أحضان قواعدها بالعصا و الصفع الفجائي من أجل الاستيعاب... وهذا وحده مكَّنني من ملاحظة ما يقترفه في حقها (وفي حق أنفسهم ) الكثيرون، سواء على صفحات الجرائد، أو على الإذاعة و التلفاز، أو على الفايسبوك، هذا الفضاء "الأزرق" الذي لا أكاد أَعٌدٌّ بين أصدقائي به أكثر من سبعة (لستُ منهم) يٌكِنون لها احتراما بحجم عظمتها.
ومع أني لست لغويا ولا عالم أو أستاذ لسانيات، فإني أكاد أجزم، خارج أي اعتبار سوسيو سياسي، أن أسباب هذا الركود والابتعاد عن لغتنا الأم، تعود إلى لا مبالاة مستعمليها الذين لم يعد يهمهم بديعها أو آدابها الرائعة الضاربة في القدم، بقدر ما يعنيهم التعبير بلهجاتها السهلة عن تفاهة حياتهم اليومية.
ولا أتمنى البتة أن أٌعطي لهذه التدوينة بعدا أكاديميا أو جدليا، فأنا كما أسلفت، لست مختصا في اللغة أو في أي حقل معرفي آخر، لأن موضوعا مثل هذا أكبر مني بكثير ومن السواد الأعظم الذي يكتب وينطق اللغة العربية.
وأود إثارة خطإ أظنه شائعا حتى بين العارفين للغة، هو انساب كلمة "مٌعَرَّب" إلى من لا يعرف ويستعمل إلا اللغة العربية. بينما تٌطلَق هذه اللفظة في الواقع على المهتم بالتراث العربي الإسلامي كالمفكر الفرنسي الكبير جاك بيرك الذي ترجم المعلقات العشر وبعدها القرآن الكريم والذي يمكن تصنيفه من بين علماء و فقهاء اللغة العربية الذين ألموا بها إلماما شاملا. "مٌعَرَّب" لا يعني إتقانه للغة العربية، فإذا أتقنها، فإنه إذن فقيه مفقه فيها، وهذا يشرفه كثيرا.
وعموما، في نظري المتواضع، فإن من يتقن لغة ما بإمكانه إتقان اللغات الأخرى، ولي اليقين أن فقهاءنا الكبارالذين رحلوا أمثال سي الرحالي الفاروق، وسيدي محمد العربي بلبهلول وسي عبدالسلام المسفيوي وسي أحمد الخلاصة...
أنه لو تأتى لهم تعلم اللغة الفرنسية مثلا، لأصبحوا فقهاء كبارا فيها كما تفقه فيها أبناؤها كفولتير، روسو، راسين، موليير، كورنيي، لافونتين وغيرهم...
أود أخيرا أن أشير إلى حدث لم يٌكتَبْ له أن يرى النور ذات رمضان من سنة 2005. كنا نجتمع مع ثلة من الأصدقاء الأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي، فقررنا، بهدف رد الاعتبار للغة العربية، على غرار ما كان يجري في فرنسا على يد برنار بيفو، تنظيم إملاء عام يشارك فيه الجميع، وكذلك تنظيم شكل عام لأن اللغة العربية تمتاز عن غيرها من اللغات الحية بكونها تٌشْكَلُ... كانت هذه المبادرة بإيعاز من الأديب النقيب ابراهيم صادوق، تحت إشراف الناقد الأستاذ عبد الجليل الأزدي، بتحكيم من الأستاذيين الجليلين المرحومين سي أحمد الخلاصة وسي ابراهيم كلالي.
فلنعُدْ لإحياء مجد لغتنا العظيم، حتى يمكننا من جديد الترنم بقافاتها وخاءاتها وحاءاتها وهاءاتها وثاءاتها وضاداتها وظاءاتها وصاداتها وذالاتها وطاءاتها وشيناتها وواواتها وهمزاتها الوصلية والقطعية وحتى تلك التي يجري وراءها الجميع، وكل جلجلاتها...
وأختم بهذا البيت الذي تلقيته مباشرة و أنا صغير من العلامة الفقيه سيدي محمد العربي بلبهلول تغمده الله برحمته الواسعة :
حروف حلق ستة خد أولا ..إن هام غائب على حب خلا..