في برنامج "مدارات": عبد الفتاح كيليطو.. الصوت المتفرد

في  برنامج "مدارات": عبد الفتاح كيليطو.. الصوت المتفرد
خصص الاعلامي عبد الإله التهاني الحلقة هذا الأسبوع  من برنامج "مدارات"، لإضاءة جوانب من الإنتاج النقدي، للكاتب المغربي والباحث في حقل الدراسات الأدبية الدكتور عبد الفتاح كيليطو، وذلك من خلال جلسة أدبية، استضافت الناقد والمترجم الأدبي والباحث في الدراسات الأدبية، الدكتور محمد أيت لعميم.
هنا قراءة في أهم مضامين هذه الحلقة:
 
■ كيليطو وقراءة التراث بمناهج العصر: 
في ورقته التقديمية لهذه الحلقة، اعتبر عبدالاله التهاني "أن الكاتب والناقد عبد الفتاح كيليطو، يمثل  صوتا متفردا في ساحة الدراسات الأدبية بالمغرب والعالم العربي، وأنه منح باجتهاداته مساحات جديدة للفكر النقدي المغربي الحديث، اجتمعت فيها درايته الواسعة بالتراث اللغوي والأدبي العربي، مع اطلاعه العميق على المناهج الحديثة في النقد المعاصر.
وأبرز  عبدالاله التهاني أن الأستاذ عبد الفتاح كيليطو "كان قد بدأ كتاباته النقدية باللغة الفرنسية، قبل أن ينعطف نحو الكتابة باللغة العربية، ويستمر في إنتاجاته النقدية والأدبية باللغتين معا" .
وأوضح أن " أطروحة الدكتوراه التي أعدها كيليطو حول موضوع "السرد والأنساق الثقافية في مقامات الهمداني والحريري"، والتي دافع عنها بجامعة السوربون الجديدة عام 1982،  بأنها كانت أطروحة كاشفة لسعة اطلاعه على غنى التراث العربي، وقدرته الفائقة على إعادة قراءة ذلك التراث، من زاوية مناهج النقد المعاصر التي تمرس بها، منذ اكتشافه لأطروحات (رولان بارت) و(تودوروف)،  وغيرهما من كبار منظري المدرسة النقدية الجديدة في أوروبا" .
وسجل أن الأستاذ عبد الفتاح كيليطو لم يتقيد بصفة الناقد والدارس الأدبي فقط، بل إنه سرعان ما سيباغت متتبعيه بصفته الموازية، ككاتب لنصوص روائية، وبذلك أصبح هو نفسه موضوعا لكتابات النقاد ودارسي الأدب" .
 
■ تفرد في الداخل وإشعاع ثقافي في الخارج: 
وبعد أن استعرض معد ومقدم البرنامج عناوين من أعمال عبد الفتاح كيليطو، الصادرة باللغتين العربية والفرنسية، أشار إلى أن هذا الباحث الادبي قد نجح في أن يجعل لمنجزه النقدي،  مكانة وازنة داخل المغرب، وإشعاعا قويا خارجه أيضا، بدليل الاهتمام الواسع بمؤلفاته ومحاضراته، وترجمة عدد من أعماله إلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية والإيطالية،  وبالنظر أيضا إلى ما كتب عن أعماله بلغات أجنبية عديدة، إضافة إلى برمجة دروسه ومحاضراته، كأستاذ زائر في جامعات فرنسية وأمريكية، والجوائز والتتويجات الأدبية الرفيعة،  التي حظيت بها أعمال  عبد الفتاح، كجائزة المغرب الكبرى للكتاب سنة 1989، وجائزة الأطلس الكبير عام 1996، ثم جائزة أكاديمية اللغة الفرنسية خلال نفس السنة، ثم جائزة الملك فيصل العالمية في اللغة العربية والأدب، التي تم الاعلان عن فوزه بها، في مطلع سنة 2023،  تقديرا لمجموع أعماله ومؤلفاته.
 
■ محمد آيت لعميم يقرأ المشروع النقدي لعبد الفتاح كيليطو: 
وفي أجوبته خلال استضافته في هذه الحلقة من برنامج "مدارات"، تحدث الناقد والمترجم الأدبي والباحث في الدراسات الأدبية الدكتور محمد أيت لعميم بإسهاب، عن طبيعة التكوين الثقافي للاستاذ عبد الفتاح كيليطو، متتبعا خطواته الاولى من خلال ما كان قد  رواه هو نفسه عن بداياته، إلى أن أصبح علامة فارقة في حركة النقد الأدبي العربي.
وشدد على أن  كيليطو قد قرأ نصوصا سردية عديدة ، من الأدب العربي والأجنبي، وكيف أنه كان في قراءاته الادبية، ينتبه إلى الأشياء التي لم ينتبه إليها الآخرون، إما لانهم يمرون عليها مرور الكرام، أو أنهم لا يعبأون بها. 
واعتبر آيت لعميم أن كيليطو  كان يركز في قراءاته على الأشياء التي قد تخفي أسرارا في النصوص، مؤكدا على أن هذا الملمح يشكل الميزة الخاصة لقراءة عبد الفتاح كيليطو للأدب،  سواء كان أدبا عربيا قديما، أو نصوصا أدبية غربية.
وأوضح بأن عبد الفتاح كيليطو هو نتاج محض، لموسوعيته القرائية المتنوعة والمتعددة،  مشددا على أن تشكل الهاجس القرائي لدى عبد الفتاح كيليطو قاده نحو السبل التي جعلته ينتج قراءة مغايرة للتراث.
 
■ المزاوجة بين القديم والحديث : 
وجوابا على سؤال يتعلق بالمزاوجة بين القديم والحديث في ثقافة كيليطو النقدية، أبرز الناقد محمد أيت لعميم بأن مسار  كيليطو الأكاديمي، يتيح لنا أن نستنبط منه سبب توجهه لهذا التراث ، ولقراءته بهذه الطريقة الفريدة، مشيرا  في هذا السياق إلى البحث الذي أنجزه حول الروائي الفرنسي (مورياك)، والذي تناول فيه إشكالية القدر. 
 وأضاف الناقد والدارس الادبي محمد آيت لعميم، أن الأستاذ عبد الفتاح كيليطو اهتم بالطريقة التي يقدم بها نصوصا من الثقافة والتراث العربي، إلى القارىء في الثقافات الاخرى، وأن هذا هو مربط الفرس الذي ميز عمل كيليطو منذ البدء إلى اليوم، حيث أدرك أن الإشتغال على نصوص من التراث، ينبغي أن يتم إما بأدوات من حقول معرفية متنوعة أنتجت في الغرب أو في أي مكان، ولكن يتعين بنظره أن تخدم هذا التراث العربي، وأن نهتم نحن بكيفية تقديم هذا التراث، وكيف نجعل الآخر يعجب به، أو يحس بالغرابة وهو يقرأه.
 
■ اللقاء برولان بارت والغوص في مقامات الهمذاني والحريري: 
وفي سياق أجوبته خلال هذه الحلقة من برنامج "مدارات"،  أشار الناقد محمد آيت لعميم إلى أن لقاء كيليطو بأحد كبار النقاد الفرنسيين هو رولان بارت، سيغير كلية توجهاته في نظرته الجديدة للأدب.
 وبخصوص اهتمامه بالمقامات العربية (عند الهمداني والحريري)، أبرز أن كيليطو اختار نصا فريدا من نوعه في الكتابة العربية، وهو نص يتحدى القراء، نص شرح  في السابق شروحات عديدة، لكن كيليطو سعى إلى أن يبحث فيه، انطلاقا مما استوعبه من مناهج غربية، مضيفا أن كيليطو جاء في سياق دراسته للمقامات بأشياء جديدة، لم يكن ليهتدي إليها لولا أنه كان متسلحا بالمناهج التي كانت تبحث في السرديات، وكانت مزدهرة في الثمانينيات، على اعتبار أنها مناهج استوعبها كيليطو بسرعة، وهو ما يدل دلالة كبيرة على أن عبد الفتاح كيليطو استطاع أن يهضم هذه المناهج النقدية الجديدة، وأن يوظفها في إعادة قراءة المقامات بطريقة مغايرة،  لم يسبقه إليها أحد، حيث استخلص من هذه  المقامات، مجموع الأنساق الثقافية المهيمنة. كما أن كيليطو بنظره استطاع من خلال نظرة ذات طابع سردي بنيوي، أن يبين كيف ظهرت المقامات في القرن الرابع الهجري، وأن يكشف خلفيات ظهورها.
وفي ذات السياق، أشار الناقد آيت لعميم، إلى الدراسة الرائعة والنموذجية، التي خصصها كيليطو للمقامة الخامسة للحريري، وأصدرها في كتاب أسماه "الغائب".