الحديث عن اشراقات الدبلوماسية المغربية خلال عام 2022 يتطلب التطرق لثلاث معطيات: المعطى الأول هو أن الدبلوماسية المغربية ليست دبلوماسية حديثة، بل هي مرتبطة بدولة تعود الى قرون عديدة، وخلال تلك القرون راكمت العديد من التجارب الدبلوماسية وراكمت كذلك العديد من العلاقات الدولية.
المعطى الثاني أن قوة الدبلوماسية هي انعكاس لقوة المغرب على المستوى الداخلي، فمن المعروف أن الدبلوماسية لما تكون في مستوياتها الجيدة على المستوى الدولي فهي تعطي صورة عن الدولة على المستوى الداخلي، فاذا كانت الدولة ضعيفة لا يمكن أن تكون لها دبلوماسية قوية ، وعكس ذلك اذا كانت قد حققت عدة انجازات على المستوى الداخلي فيما يتعلق بوجود مؤسسات قوية ومجتمع متماسك الخ، تكون دبلوماسيتها حاضرة بقوة .
النقطة الثالثة وتتعلق بطبيعة الدبلوماسية المغربية وهي أنها دبلوماسية متنوعة ومتشعبة، فهي لا تقتصر على ملف القضية الوطنية الأولى ولكن لها حضور دولي على مستوى بناء السلم والأمن في الأماكن التي تشهد توترا كما هو الحال في ليبيا، فقد استمرت الدبلوماسية المغربية خلال عام 2022 في عملها الذي دشنته منذ سنوات من أجل حل الأزمة الليبية وتقريب وجهات النظر بين مجموع الأطراف الليبية وقد نجحت في ذلك بشكل كبير مما جعلها تحظى بإشادة دولية. نفس الأمر تقوم به الدبلوماسية المغربية في منطقة الساحل الإفريقي حيث تعمل بقوة من أجل بناء الأمن والاستقرار في هذه المنطقة التي تعرفق معضلة أمنية متصاعدة، وقد أبانت الدبلوماسية المغربية عن قوة كبيرة فيما يخص قضية الصحراء المغربية، فقد ارتفع عدد الدول التي فتحت قنصلياتها في الأقاليم الجنوبية بمدن العيون والداخلة خلال عام 2022، وهذا أكد بشكل واضح تكريس السيادة المغربية على المستوى الدولي.
وفيما يتعلق بالاقتصاد فقد توسعت الاستثمارات المغربية بشكل كبير، ليست فقط على مستوى القارة الإفريقية والدول الإفريقية، ولكن كذلك حتى في البلدان الأوروبية، كما ارتفعت الاستثمارات الأجنبية داخل المغرب، وهذا نتيجة لقوة الدبلوماسية المغربية.
قوة الدبلوماسية المغربية تجلت أيضا بشكل كبير في قرار مجلس الأمن رقم 2654 المتعلق بقضية الصحراء المغربية، حيث أن هذا القرار كان يصب في مصلحة المغرب بشكل كامل، وقد أدى الى الزيادة في محاصرة الجزائر وتكريس عزلتها على المستوى الدولي.
الدبلوماسية المغربية ظهرت بشكل كبير خلال هذه السنة عند الحديث عن الدبلوماسية الأمنية، فالدبلوماسية الأمنية المغربية أصبحت أقوى على المستوى العالمي، والدليل على ذلك تم تنظيم لقاء دولي لمحاربة « داعش « بمراكش عرف حضور العديد من الدول، الى جانب عدد من زيارات الوفود الأمنية للعديد من الدول وبناء شراكات مع المغرب في هذا الباب ، كما تتجلى من خلال الزيارات المتعددة التي قام بها المدير العام للأمن الوطني للعديد من البلدان، ولا ننسى كذلك حضور الدبلوماسية الأمنية في الحدث الرياضي الكبير الذي نظم في دولة قطر، حيث كان للأمن المغربي حضور كبير جدا.
شهدت سنة 2022 كذلك تطوير العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع إسرائيل وتجلى ذلك في عقد العديد من الاتفاقيات العسكرية والأمنية التي جسدت بشكل كبير قوة المغرب على المستوى العسكري والأمني.
كما يمكن الحديث عن قوة الدبلوماسية المغربية في إدارة الأزمات مع بعض الدول خاصة مع اسبانيا، فالأزمة التي اندلعت باستقبال زعيم ميليشيات البوليساريو في اسبانيا أدارتها الدبلوماسية المغربية بحنكة كبيرة فأدت في النهاية الى الموقف الإسباني الجديد وهو مهم جدا في قضية الصحراء المغربية بحكم أن اسبانيا كانت هي مستعمر هذه المنطقة، فكان موقفها الداعم لسيادة المغرب على الصحراء وجه من أوجه قوة الدبلوماسية المغربية . إدارة الخلاف مع الجزائر بشكل كذلك نقطة قوة بالنسبة للمغرب، فيد الحوار التي يمدها الملك محمد السادس في عدة مناسبات إلى القيادة الجزائرية تبرهن عن قوة الدبلوماسية المغربية وتبرهن عن الأسس التي تقوم عليها وهي نشر السلم والدعوة إلى التعاون والتشارك.
قوة الدبلوماسية المغربية تظهر أيضا في إدارة الخلاف مع بعض الدول الأوروبية التي لم تستطع بعد الخروج من منطقة الضبابية فيما يخص قضية الصحراء ، وقد كان الملك محمد السادس واضحا جدا في هذا الصدد، حيث أنه في خطاب ثورة الملك والشعب لعام 2022، وضح بشكل كبير أن مقياس علاقة المغربية الخارحية يقوم على الموقف من قضية الصحراء المغربية.
ولا ننسى أيضا طريقة تموقع المغرب في الصراع القائم بين الغرب وروسيا بعد الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية واندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، فقد استطاع المغرب أن يدير هذا الصراع على المستوى الدبلوماسية بحنكة كبيرة جدا جعلته يحافظ على مصالحه بشكل قوي، بل إن وزير الخارجية المغربية ناصر بوريطة تدخل عدة مرات لتقريب وجهات النظر مابين روسيا وأوكرانيا، بخلاف الجزائر التي تعيش ارتباكا كبيرا في تدبير هذه الأزمة لدرجة أنها ألغت مناورات عسكرية كانت ستنظم مع روسيا خلال عام 2022 قرب الحدود الشرقية للمغرب بسبب الضغوطات الأمريكية، كما أنها أصبحت مضطرة لخفض مشترياتها من الأسلحة الروسية الى غير ذلك من الأمور التي سوف تنعكس سلبا على علاقاتها مع الغرب أو روسيا على وجه الخصوص