محمد أكيام: مقاربة أمنية أم مقاربة ثقافية؟

محمد أكيام: مقاربة أمنية أم مقاربة ثقافية؟ محمد أكيام

تزامنا مع إحدى المناسبات الوطنية، حضرت اجتماعا تنسيقيا يتمحور حول تخليد هذه الذكرى من طرف مجموعة من جمعيات المجتمع المدني التي تسعى من خلال احتفالاتها إلى المساهمة في ترسيخ قيم الوطنية لدى الجيل الناشئ والتذكير بملاحم الأجداد من أجل الاقتداء بها للمساهمة في بناء مغرب الغد. ما شد انتباهي خلال النقاش، هو الطريقة التي يتحدث بها المسؤول الأمني، حيث يُستشف من خلال تدخله أن أساس الضبط المجتمعي يكمن فقط في نهج المقاربة الأمنية التي تعتمد على التدخل الآني واحتمال الأسوأ.

مبدئيا، يبدو أن هذا الطرح سليم على اعتبار أن التفكير الاستباقي من شأنه أن يساهم في تفادي مجموعة من الانزلاقات والسلوكات غير المرغوب فيها، خاصة أثناء التجمعات التي تعرف عددا مهما من الحضور. وعلميا، يمكن الاستدلال بنظرية "سيكولوجية الجماهير" للمفكر الفرنسي "غوستاف لوبون" التي تتبني طرح أن الفرد يتم تعطيل عقله ويصبح تابعا لغريزة الحشد، أي أن الفرد يتحرك بشكل واعِ أما الجمهور فيتحرك بشكل غير واعي وهذا ما لخصه لوبون في أن الوعي فرد، وأن اللاوعي جماعي. لكن، هل هذه المقاربة كافية؟

خلال نقاشي مع المسؤول الأمني، تبين أنه مؤمن إلى حد كبير بهذا الطرح، إلى درجة أنه عبّر على أن التدخل الأمني يعتبر أولوية، في حين أن أي نشاط ثقافي أو تربوي فهو مسألة ثانوية ويمكن الاستغناء عنها. استغربت كثيرا قبل أن أتسائل: كيف يمكن لمسؤول أمني أن يبخس عمل بقية القطاعات التربوية والثقافية وأنشطة المجتمع المدني؟ كيف يؤمن المسؤول الأمني بأن بناء المجتمع يقوم على ركيزة واحدة؟ ألا يؤمن هذا المسؤول بما تقوم به مؤسسات التنشئة الاجتماعية من أدوار في تربية وتكوين الفرد؟ وهل هذا التعبير، مجرد رأي شخصي لهذا المسؤول، أم هو فكر جماعي لكل الجهاز؟

كيفما كان الحال، وجب أن يؤمن الجميع بالأدوار التي تقوم بها المؤسسات التربوية والثقافية في تربية النشء وحسن توجيهه وزرع قيم الوطنية والمواطنة، كي يكون مواطنا صالحا لنفسه ولمجتمعه ؛ كأن يتابع مشجع فريقه في احترام لخصمه ودون تخريب للملعب أو إحداث أضرار على ممتلكات الغير عند خروجه ؛ وكأن يشارك مُطالب بحق في مسيرات سلمية أو وقفات احتجاجية دون المساس بالفضاء العام المشترك أو الفضاءات الخاصة ؛ وكأن يحضر متفرج لحفل فني كبير دون إحداث فوضى أو إساءة للآخر ؛ وكأن... وعديدة هي الصور التي تبرز الدور المهم لمختلف تنظيمات التنشئة الاجتماعية من أسرة ومدرسة ودور الشباب وفضاءات رياضية ومؤسسات ثقافية وغيرها.

على مسؤولينا أن يقتنعوا بأن تكلفة الإصلاح تكون كبيرة وغير حتمية النتائج، في حين أن البناء المجتمعي على أسس متينة من شأنه أن انتاج مجتمع مثقف وراقي ومحافظ على الضوابط العامة. فعوض الانكباب على مقاربة ضبطية لسلوكيات الفرد، يستحسن التفكير الجمعي في تأطير الفرد لكي يكون ضابطا لسلوكياته. كما أن تقوية قدرات الأجهزة الأمنية في مجال الأدوار التي تقوم بها المؤسسات التربوية والثقافية والرياضية، من شأنه أن يساهم في تكثيف الجهود لحسن تنظيم التظاهرات الثقافية والرياضية وتحقيق الأهداف المرجوة منها.