يرى الكاتب والباحث والمدافع عن حقوق الإنسان الجزائري أنور مالك، أن نظام الملاّ الإيراني في طهران اعتمد أيديولوجياً ودستورياً وعسكرياً على تصدير ثورته إلى العالم منذ وصول الخميني إلى السلطة، وتأسست سياسة التي قامت على أنقاض حكم الشاه ، التي أطاحت بها ثورة شعبية عام 1979.
وجاء في مقال نشره أنور مالك المستشار الإعلامي في العديد من المؤسسات وساهم في برامج على عدة قنوات تحت عنوان "الجزائر القاعدة الجديدة للنفوذ الإيراني في إفريقيا "، أن "تصدير الثورة كما يراها النظام الإيراني يتطلب التوسع الديني من خلال صناعة الطوائف التابعة لحكام طهران. وولائهم المطلق للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية، الذي تأسس من خلال نظرية "ولاية الفقيه"".
وأشار إلى أن الجانب الديني من صنع الطوائف ليس الشاغل الوحيد، بل إنشاء ميليشيات مسلحة ، كما ثبت من تجربة "حزب الله" في لبنان، والحوثيين في اليمن، وبعض حركات وكلاء إيران في القارة الأفريقية، ومحاولاتها صنع "حركة ذراع مغاربية" موالية لإيران كذلك.
وذكر مالك الأستاذ السابق في المدارس العسكرية الجزائرية ومبعوث سابق لجامعة الدول العربية في سوريا في المقال الذي نشره على في موقع "نيوزلوكس Newslooks " الأمريكية بانتشار الميليشيات الموالية لإيران في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين وظهور الحوثيين في اليمن، وشكلت الأسلحة العسكرية الإيرانية في أفغانستان وسوريا نقطة تحول خطيرة.
وقد جمع ذلك، في الحالة السورية، نظام الأسد الموالي لخامنئي والمنظمات الأخرى التي أنتجها الصراع السوري، والتي تتقاطع جميعها في علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع الحرس الثوري وفيلق القدس بقيادة قاسم سليماني، الذي قُتل خلال هجوم/غارة أمريكية على مطار بغداد.
وزاد المعارض الجزائري :"تحول تصدير الثورة الإيرانية إلى مشروع استراتيجي توسعي بدأ يتوسع عبر ما يعرف بالهلال الشيعي ومن خلال مخطط خلق أزمات وصراعات ثم التحضير لعملة الدولة".
وجسّد الإعلامي الجزائري تحليله بالصراع العربي الإسرائيلي على أنه أوضح مثال على هذا المخطط، حيث نجح النظام الإيراني في تشكيل ميليشيات تابعة له، مثل الجهاد الإسلامي وحماس، والتي تحولت في السنوات الأخيرة إلى ذراع عسكري لفيلق القدس.
"النظام الإيراني بدأ يحوّل أنظاره اليوم إلى إفريقيا بعد بعض بوادر التراجع في قواعده في الشرق الأوسط، مثل الثورة السورية عام 2011 ضد نظام الأسد. الانتفاضات في العراق التي وصلت إلى معاقل إيران في مناطق النفوذ الشيعي، وتشكيل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لمواجهة الحوثيين ووقف خطط إيران في اليمن، دون أن ننسى الوضع الذي يعيشه حزب الله في لبنان بسبب الأزمة الاقتصادية وتصاعد استياء الشارع من إيران وحليفها حسن نصر الله".
وبعد كل هذه التحولات، لم يبق لملالي إيران ما يعوض خسائرهم في المشرق العربي سوى تكثيف حركتهم في المغرب العربي، وكان هذا التوسع موجودًا منذ وصول الخميني إلى السلطة، حيث يتم التبشير الشيعي في الجزائر والمغرب، تونس وليبيا وحتى موريتانيا، يوقل أنور مالك، ومع ذلك، كان التركيز الأهم على البلدين المحوريين، الجمهورية الجزائرية والمملكة المغربية.
ولاحظ :"أن فشل الدعاية الإيرانية في المغرب يعود إلى عداء الأسرة العلوية الحاكمة للشيعة، والولاء لممارساتها الإسلامية المالكية، والعقيدة السنية، والعلاقات العميقة التي تربط الرباط بدول الخليج، كما يرجع فشل إيران في اختراق المملكة المغربية إلى عمق العلاقات التي تربط الرباط بدول الخليج العربي التي تشاركها العداء للمشروع الإيراني الذي يهدد وجودها وحدودها، وخاصة السعودية التي تعتبر الهدف الأهم في المنطقة. خطط الخميني التوسعية التي يواصل خامنئي بشراسة".
من ناحية أخرى، يحذر الإعلامي الجزائري، من أن مشروع التوسع الإيراني حقق نجاحًا في الجزائر بسبب المناخ المناسب، إذ بين عامي 2000 و 2022، تضاعف عدد أتباع الشيعة والموالين للمرشد الأعلى في طهران.
تؤكد المعلومات المتوفرة من مصادر أمنية جزائرية متابعة لهذا الموضوع أن عدد الأشخاص الذين آمنوا بمشروع إيران وولاية المرشد الأعلى للثورة الإيرانية تجاوز العشرة آلاف شخص غالبيتهم من قطاع التعليم والجامعات، وليسوا من الناس العاديين ، دون احتساب عائلاتهم وأطفالهم، الذين غالبًا ما يتبعون معتقدات آبائهم.
وتعود المحاولات الإيرانية للتأثير على الساحة الجزائرية إلى سنوات الحرب الأهلية التي نجح خلالها "حزب الله" في التسلل إلى أخطر منظمة إرهابية تعرف بالجماعة الإسلامية المسلحة، حيث تولى "محفوظ طاجين" قيادة التنظيم الأكثر دموية في الجزائر، وجماعة إرهابية تدربت في ضاحية بيروت الجنوبية وقضت عليها القوات الأمنية في التسعينيات، إلى جانب تدريبات أخرى جرت في إحدى ثكنات الحرس الثوري، والتي تقع على بعد 70 كم من طهران، وأدان القضاء الجزائري بعض الأعضاء الموقوفين في بداية الألفية.
واستطرد الكاتب قائلا :" نجحت المؤامرة الإيرانية في التسلل إلى المؤسسة العسكرية الجزائرية من خلال تواجد الشيعة في الأجهزة الأمنية، الذين تربطهم صلات بالسفارة الإيرانية وعلاقات التزاوج التي تستهدف الضباط في المخابرات، الأمر الذي أصبح هاجسًا لبعض القادة العسكريين المعارضين لـ "مشروع إيراني"، لكنهم يفتقرون إلى النفوذ، بخلاف الموالين لطهران، والجنرالات الذين يستفيدون من صفقات الفساد مع إيران ومساعدتها في تهريب الأموال العامة عبر البنوك الخاضعة لنظام الملالي".
فشلت إيران في إنشاء ذراعها العسكري خلال الحرب الأهلية التي تسعى لتعويضها من خلال الجناح العسكري لجبهة البوليساريو، وكثفت من إرسال عناصر الحرس إلى الجزائر وتبادل الزيارات بين قادة الصحراء المناهضين للمغرب، والميدان مفتوح أمام الوعظ الديني بين اللاجئين الصحراويين الذين يعيشون في وضع بائس أشبه بالاعتقال.
يتصاعد نفوذ إيران في الجزائر بسرعة بمباركة نظام عسكري فتح الطريق أمام هذا التوسع لخدمة روسيا ومواجهة مصالح المغرب المجاورة، وهو وضع قد يُحوِّل الأراضي الجزائرية إلى قاعدة للأنشطة الإيرانية الخبيثة ضد بقية دول شمال إفريقيا، وكذلك الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط، والتي تعيش على تأثير تحديات الهجرة غير الشرعية والإرهاب الدولي العابر للحدود، وشبكات وتحديات أخرى ، تتعلق بشكل عام بتطلعات الملالي في طهران.
وفي الأخير، ختم الكاتب والباحث والمدافع عن حقوق الإنسان الجزائري أنور مالك مقاله بخلاصة أنه "في ظل التوتر السياسي والاجتماعي الذي تتخبط فيه الجزائر، وفي حال استمرار عدم مواجهة الأنشطة الإيرانية، ستتحول شمال إفريقيا إلى منطقة مضطربة تهدد الاستقرار ومصادر الطاقة وتشكل مصدر مخاطر إرهابية وتحديات أمنية لأوروبا".
ولم يفته في الأخير إلى توجيه تحذير للحاكمين في الجزائر بأن "الوضع الذي يهدد الديمقراطية ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة سيشكل بلا شك متنفسا للنظام الإيراني الخانق في الشرق الأوسط ويعمل على إنقاذ مشروعه الاستراتيجي في دول المغرب العربي وخاصة الجزائر."