سعيد الكحل: الإسلام يأمر بإلحاق الابن بأبيه البيولوجي يا وزير العدل (1/2)

سعيد الكحل: الإسلام يأمر بإلحاق الابن بأبيه البيولوجي يا وزير العدل (1/2) سعيد الكحل
إن مسألة إلحاق الابن بأبيه البيولوجي وإثبات نَسبه باتت أكثر ملحاحية لخطورة ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم ومجهولي الهوية والأمهات العازبات، من جهة، ومن أخرى، لضرورة مواءمة التشريعات الوطنية مع الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، خاصة ما يتعلق بالمساواة وبحقوق الطفل ومصلحته الفضلى، وفي مقدمتها " اثبات النسب" الذي تترتب عنه، من الناحية الدينية والاجتماعية والقانونية كثير من الأحكام في: الرضاع، الحضانة، الرعاية، النفقة، الزواج، الولاية، الميراث. لهذا جعله الفقهاء من كليات الإسلام وأجمعوا على تحريم زواج الأب من ابنته من علاقة غير شرعية. فالمطلوب، إذن، من وزارة العدل أن تعدّ مشروع تعديل مدونة الأسرة يتضمن إلحاق الابن بأبيه البيولوجي وتمتيعه بكافة حقوقه اسوة بالابن الشرعي. والمقترح الذي كشف عنه السيد الوزير خلال أشغال الندوة التي نظمتها مؤسسة الفقيه التطواني للعلم والأدب، والمتمثل في تحميل الأب البيولوجي نفقات ابنه حتى يصل سنة 21 من عمره، يمكن اعتباره خطوة إيجابية لكنها غير كافية ما لم يتحمل الأب كامل المسؤولية تجاه ابنه وذلك باستلحاقه به وإعطائه نسبه وضمان نفس الحقوق التي يتمتع بها المولود في إطار الزواج.
والمطلوب من وزير العدل تشكيل لجنة من مختلف التخصصات (دينية، اجتماعية، نفسية، تربوية، قانونية..) لمناقشة القضية بعيدا عن أي ضغوط سياسية أو إيديولوجية، ثم تسليم خلاصة النقاش والتوصيات والأدلة الشرعية إلى المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف حتى يتسنى للعلماء الاطلاع على فحوى النقاش للاستئناس به حين تُعرض عليهم المسألة للإفتاء فيها، ولا بأس، في هذا المقام، من بسط الأدلة الشرعية والاجتهادات الفقهية التي أجازت إلحاق الطفل بأبيه البيولوجي باعتباره بضعة منه، تسري عليه نفس الأحكام الشرعية التي تسري على المولود في إطار الزواج.

ولعل أقوى دليل شرعي يوجب إلحاق الابن بأبيه البيولوجي، وليس فقط يجيزه، قوله تعالى:﴿أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله﴾ الأحزاب (5).
ويكاد يجمع الفقهاء عبر العصور، على أن "ماء الزنا ليس هدر فهو يوجب حرمة المصاهرة والرضاع".
ويمكن الاستدلال على جواز الإلحاق بعدد من الوقائع منها:

وقائع قضى فيها الرسول (ص):

ــ قصة ملاعنة هلال بن أمية رضي الله عنه مع امرأته، وفيه: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أبصروها فإن جاءت به أكحلَ العينينِ سابِغَ الأَليتينِ خَدَلَّجَ الساقينِ فهو لشريك بن سمحاءَ، فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن”.

وفيه –كذلك-: عن أنس بن مالك قال: إن هلال بن أميةَ قذف امرأته بشريك بن سمحاء. وكان أخا البراء بن مالك لأمه. وكان أولَ رجل لاعن في الإسلام. قال: فلاعنها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أبصروها. فإن جاءت به أبيضَ سَبِطاً، قضئ العينين فهو لهلال بن أميةَ. وإن جاءت به أكحلَ جَعْداً حَمْشَ الساقين فهو لشريكِ بن سمحاء” قال: فأُنْبئت أنها جاءت به أكحلَ جعْداً حَمْشَ الساقين.
ووجه الاستدلال من هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب الولد إلى أبيه من الزنا. والذي خُلق من مائه.

ــ وروى ابن عيينة، عن الأجلح بن عبد الله الكندي عن الشعبي، عن عبد الله بن الخليل، عن زيد بن أرقم، قال: أتي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - باليمن في ثلاثة نفر، وقعوا على جارية في طهر واحد ، فجاءت بولد ، فجاءوا يختصمون في ولدها فقال علي لأحدهم: تطيب نفسا، وتدعه لهذين؟ فقال: لا، وقال للآخر مثل ذلك، فقال: لا، وقال للآخر مثل ذلك، فقال: لا، فقال: أنتم شركاء متشاكسون، وإني أقرع بينكم، فأيكم أصابته القرعة ألزمته الولد، وغرمته ثلثي القيمة، أو قال ثلثي قيمة الجارية، فلما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بدت نواجذه، وقال: ما أعلم فيها غير ما قال علي.

وقائع قضى فيها الخليفة عمر بن الخطاب:

ــ عن مالك عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار: أن عمر بن الخطاب كان يُليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام، فأتى رجلان، كلاهما يدعي ولد امرأة، فدعا عمر بن الخطاب قائفا، فنظر إليهما، فقال القائف: لقد اشتركا فيه، فضربه عمر بن الخطاب بالدرة، ثم دعا المرأة فقال: أخبريني خبرك فقالت: كان هذا - لأحد الرجلين - يأتيني، وهي في إبل لأهلها . فلا يفارقها حتى يظن وتظن أنه قد استمر بها حبل. ثم انصرف عنها، فأهريقت عليه دماء، ثم خلف عليها هذا، تعني الآخر، فلا أدري من أيهما هو؟ قال فكبر القائف، فقال عمر للغلام: وَالِ أيهما شئت.

واقعة قضى فيها عبد الله بن عمر:

عن عبد الله بن عمر عن نافع قال: (كانت جارية لابن عمر، وكان له غلام يدخل عليها، فسبّه أو فسببته، فرآه ابن عمر يوما، فقال: أحامل أنتِ؟ قالت: نعم، قال: ممن؟ قالت: من فلان، قال: الذي سبّه أو سببته، قالت: نعم، فسأله ابن عمر، فجحد، وكانت له إصبع زايدة، فقال: له ابن عمر: أرأيت إن جاءت به ذا زايدة؟ قال: هو إذن مني، قال: فولدت له غلاما له إصبع زايدة، قال: فضربهما ابن عمر الحدّ، وزوّجها إياه، وأعتق الغلام الذي ولدت).

أقوال الأئمة والفقهاء المؤيدة لإلحاق الابن بأبيه البيولوجي:

ــ  روى الإمام مالكٌ في «الموطَّإ»: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ يُلِيطُ أَوْلَادَ الجَاهِلِيَّةِ بِمَنِ ادَّعَاهُمْ فِي الإِسْلَامِ» أي: كان يُلحِقُهم بهم وينسبهم إليهم وإِنْ كانوا لِزنيةٍ، وقد روى عيسى عن ابنِ القاسم في جماعةٍ يُسلِمون فيستلحقون أولادًا مِنْ زِنًا، فإِنْ كانوا أحرارًا ولم يدَّعِهم أحَدٌ لفراشٍ فهُم أولادُهم، وقد أَلاطَ عمرُ رضي الله عنه مَنْ وُلِد في الجاهليَّة بمَنِ ادَّعاهم في الإسلام، إلَّا أَنْ يدَّعِيَه معهم مَنْ أمَّهاتُهم فراشٌ له وهو سيِّدُ الأَمَةِ أو زوجُ الحرَّة.

ــ كما أيده ابنُ القيِّم بقوله: «والقياس الصحيح يقتضيه، فإنَّ الأب أحَدُ الزانيَيْن، وهو إذا كان يلحق بأمِّه، ويُنسَبُ إليها، وتَرِثُه ويَرِثها، ويَثْبُتُ النَّسَبُ بينه وبين أقاربِ أمِّه مع كونها زنَتْ به، وقد وُجِد الولدُ مِنْ ماء الزانيَيْن، وقد اشتركا فيه، واتَّفَقا على أنه ابنُهما، فما المانعُ مِنْ لحوقه بالأب إذا لم يدَّعِه غيرُه؟ فهذا محضُ القياس».

ــ وقال ابن القيم: " إثْبَاتَ النَّسَبِ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ، وَحَقٌّ لِلْوَلَدِ، وَحَقٌّ لِلْأَبِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ الْوَصْلِ بَيْنَ الْعِبَادِ مَا بِهِ قِوَامُ مَصَالِحِهِمْ، فَأَثْبَتَهُ الشَّرْعُ بِأَنْوَاعِ الطُّرُقِ الَّتِي لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهَا نِتَاجُ الْحَيَوَانِ".
 
ــ وروى الدارمي في "السنن" عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: " أَيُّمَا رَجُلٍ أَتَى إِلَى غُلَامٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنٌ لَهُ وَأَنَّهُ زَنَى بِأُمِّهِ ، وَلَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ الْغُلَامَ أَحَدٌ : فَهُوَ يَرِثُهُ ".

ــ قَالَ بُكَيْرٌ: وَسَأَلْتُ عُرْوَةَ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ".

ــ قال ابن القيم: " كَانَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْمَوْلُودَ مِنَ الزِّنَى إِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْلُودًا عَلَى فِرَاشٍ يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ ، وَادَّعَاهُ الزَّانِي : أُلْحِقَ بِهِ ... وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، رَوَاهُ عَنْهُ إسحاق بِإِسْنَادِهِ فِي رَجُلٍ زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَوَلَدَتْ وَلَدًا، فَادَّعَى وَلَدَهَا فَقَالَ: يُجْلَدُ وَيَلْزَمُهُ الْوَلَدُ.