على من يكذب وزير الداخلية؟!

على من يكذب وزير الداخلية؟! عبد الرحيم أريري
من يقرأ دورية وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت الموجهة للولاة والعمال التي يدعوهم فيها لتفعيل «حزمة من التدابير» لتخفيض استهلاك الإنارة العمومية بنسبة من 20 إلى 30 في المائة، يخيل إليه أن الوزير لفتيت يخاطب مدن الدنمارك وروسيا والسويد وكندا والنمسا وألمانيا.
 
طالب الوزير لفتيت في دوريته الولاة والعمال بوجوب: «... ضرورة تخفيض الإنارة العمومية بالمنتزهات والحدائق العمومية وفضاءات الترفيه والشواطئ...»!!
 
أنا شخصيا مستعد لتأدية فاتورة استهلاك المغرب في الإنارة العمومية نيابة عن 1503 جماعة ترابية (!!)، إن دلني الوزير لفتيت على هذه المنتزهات وعلى هذه الحدائق وعلى هذه الشواطئ المضاءة ليلا بالمدن المغربية الكبرى، حتى نلجأ اصلا لتقليص الإنارة العمومية بها!
 
بل حتى على افتراض وجود بضع «بوطوات ديال الضو» في «بضع جنينات» بهذه المدينة أو تلك او في كورنيش بئيس بهذه الجماعة أو تلك، فهل هذه «البوطوات» وهذه «البولات» هي التي ستنهك خزينة المغرب في مجال الطاقة؟!
 
وإذا استحضرنا الحملة المخدومة التي تمطرق المغاربة صباح مساء بوجوب الاقتصاد في الماء وغلق الصنابير والتوقف عن غسل السيارات، آنذاك نفهم أن الحكومة «كتدير الصابونة» للشعب. إذ بدل التوجه لمن ينهك السدود ويمص مخزون الفرشة المائية (الضيعات الفلاحية والمجمعات الصناعية التي لا تحترم دفاتر التحملات وتستهلك أزيد من 90 في المائة من الموارد المائية)، التجأت الداخلية إلى «تنشيط البطولة» بتحريف النقاش ومطاردة المواطن بوصلات إعلانية ليقتصد «سطل ديال الماء».
 
وبدل أن تتوجه الحكومة إلى الإدارات والمؤسسات العمومية والأبناك والصناعات المبذرة للطاقة بدون فائدة، نراها تستكثر على المواطن عمودا للإنارة العمومية، علما أن هذا المواطن هو أصلا غارق دوما في الظلام بشوارع وأحياء أغلب المدن المغربية.
 
نقول لوزير الداخلية: «إن لبرا تقرأ من وجهها»، ومن العار (ونحن في القرن 21) ان تتبنى الدولة خطابا كاذبا في تعاملها مع المواطن. بدليل أن «هذه الحيحة» على اقتصاد الماء في الحدائق بالدار البيضاء لا تمثل حتى 1 في المائة من الاستهلاك، بالنظر إلى أن العاصمة الاقتصادية تستهلك في المعدل 700.000 متر مكعب من الماء يوميا (في مختلف الاستعمالات)، بينما الماء المخصص لسقي الحدائق لا يتجاوز 7000 متر مكعب في اليوم (نعم سبعة آلاف !!) على قلة هذه الحدائق أصلا في مدينة إسمنتية وملوثة وعشوائية، فلماذا نخلق «هيلالة» على مرفق  يستهلك أقل من 1 في المائة ؟!
 
أما في الكهرباء فنجد الدار البيضاء تستهلك 10 آلاف جيكاواط، أي ما يمثل 10 ملايير كيلوواط/ ساعة ( في كل الاستعمالات: الصناعية والمنزلية والخدماتية والإدارية...)، بينما مصابيح الإنارة العمومية بتراب الدارالبيضاء لا تستهلك سوى 400 ألف كيلوواط/ساعة، أي ما يمثل 0،004 في المائة من استهلاك «الضو». أيعقل أن نحرك ماكينة الدولة بداخليتها وولاتها وعمالها وقوادها وباشاواتها وأعوان سلطتها على هذه النسبة الهزيلة جدا؟!
 
نستخلص من هذه المعطيات أن الحكومة - في شخص وزير الداخلية- تغالط الرأي العام وتكذب عليه، وتطرق الباب الخطأ للتغطية على فشلها في الجواب على تعثر إخراج مشاريع السدود ومعامل تحلية مياه البحر التي كان يفترض أن تخرج إلى حيز الوجود منذ سنوات، فضلا عن عجزها على الوفاء بأجرأة ترحيل المياه من أحواض الوفرة إلى أحواض الندرة منذ عام 2012 إلى اليوم، وكذا تأخرها في إنجاز أوراش إنتاج الطاقة (الشمسية والريحية أساسا، وما فضائح مازن ببعيدة عنا).
لكن ما العيب في ذلك، فنحن كمغاربة ألفنا أن تدوس علينا الحكومة، بالنظر إلى أن المواطن في نظرها، مجرد «حايط قصير»!
 
ملحوظة لكل غاية مفيدة:
 يوجد بالمغرب 1.600.000 عمود إنارة عمومية، (منها 160.000 عمود بمدينة الدارالبيضاء). وتستهلك الإنارة العمومية بمختلف المدن والمراكز الحضرية بالمغرب حوالي 4.000.000 كيلواط/ أي 0،01 في المائة من الاستهلاك العام للطاقة بالمغرب!!!!