في ندوة دولية.."الراشدي" يؤكد حتمية الشروع في جيل جديد من استراتيجية مكافحة الفساد

في ندوة دولية.."الراشدي" يؤكد حتمية الشروع في جيل جديد من استراتيجية مكافحة الفساد محمد بشير الراشدي
قال محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها إن العالم يواجه اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تحديات كبرى، في سياق يتميز بتصاعد الاحتجاجات الاجتماعية التي تتخذ تمظهرات مختلفة، تقليدية ومبتكرة، يجمع بينهاقاسم مشترك يأتي في مقدمة هذه الاحتجاجات، وهو المتمثل في نبذ ورفض جميع أشكال الفساد والشطط، والامتيازات غير المستحقة وانعدام المساواة الناتجة عنها، مقابل المطالبة بمزيد من الشفافية في تدبير الشأن العام والحكامة التي تضمن الولوج العادل إلى وسائل وشروط المساهمة الواسعة في إنتاج الثروة وإعادة توزيعها.
وأضاف الراشدي في كلمة خلال الندوة الدولية حول الحكامة الجيدة بإفريقيا المنظمة من طرف الهيئة بالرباط، يومي 18/19 أكتوبر 2022 تحت رعاية الملك محمد السادس، أنه "في قارتنا الإفريقية، وبمتوسط تنقيط لا يتجاوز 33/100 في مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية،تعاني هذه القارة، وأكثرمن أي منطقة أخرى في العالم،من الأعباء الممتدة للعواقب الوخيمة لآفة الفساد، والتي تتبدى بشكل خاص في هروب رؤوس الأموال المقدرة في عام 2020 لوحده بحوالي 89 ملياردولار. ويؤكد تقاطع البيانات والمؤشرات غير المباشرة التي تغذي تقارير المنظمات المعنية، التأثيرَ الملموس للفساد على الناتج الداخلي الخام للقارة،والذي يستأثر بأكثر من 6 نقاط من هذا الناتج الداخلي". 
وشدد المتحدث ذاته أنه على الرغم من الجهود المتعددة، والمتنوعة التي بذلتها بلداننا في العقود الأخيرة للحد من ممارسات الفساد، يتبين بشكل جلي أن النتائج والتأثير المتوقع لهذه الجهود على المعيش اليومي للمواطنين والفاعلين الاقتصاديين، يظل غير ملموس؛ بما لا يساهم في تحجيم منسوب انعدام الثقة الذي تواجهه السياسات المعتمدة في هذا المجال، ويؤكد بالتالي حتمية الشروع في جيل جديد من استراتيجية مكافحة الفساد، ينهض على مقاربة متعددة الأبعاد، ويتميز بالتماسك والتنسيق المحكم بين مختلف المتدخلين، ويوظف أدوات مبتكرة واستباقية لتطويق الظاهرة وتجفيف البؤر التي تساهم في تنامي تمظهراتها. 
وأفاد بأن هذه المقاربة التي تمتد في الزمن،  تتوخى تحقيقَ وقع ملموس على المدى القصير والمتوسط،اعتمادا على تحديدٍ معقلن لأولويات العمل، يستند إلى معرفة موضوعية وعميقة، ويعتمد على ترصيد النتائج لبلوغ الأهداف الاستراتيجية المنشودة، وفي مقدمتها إدراج آفة الفساد،بشكل مستدام، في منحنى تنازلي قوي، قادر على تهيئة شروط تنمية مدعومة وشاملة، كفيلة بتحرير الطاقات وتلبية الانتظارات المشروعة للمواطنين،سواء من الأجيال الحالية، أو من الأجيال المستقبلية التي يتعين صون مصالحها والحفاظ عليها. 
رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أورد أيضا أن العديد من البلدان الإفريقية، أدركت تمام الإدراك تحديات الحكامة المسؤولة والوقاية من الفساد ومكافحته، كما أنها باشرت، تبعا لذلك، إصلاحات متعددة في هذا المجال، وانضمت، بمعدلات مرتفعة، إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد واتفاقية الاتحاد الإفريقي لمكافحة الفساد. 
ووعيا منها بضرورة إرساء تحالف موضوعي، وتعزيز ثوابت قدراتها عبر تبادل الخبرات وتقاسم التجارب، ومن أجل مواجهة الامتدادات عبر الوطنية لظاهرة الفساد، يضيف المتحدث ذاته، فقد انضمت هذه البلدان، من خلال سلطاتها ومؤسساتها المعنية إلى شبكات مكافحة الفساد، مثل الرابطة الدولية لسلطات مكافحة الفساد، وشبكة سلطات مكافحة الفساد، كما أنشأت شبكات إقليمية وشبه إقليمية، مثل رابطة سلطات مكافحة الفسادفي أفريقياوشبكة المؤسسات الوطنية لمكافحة الفساد في غرب إفريقيا.
من جهته، وبعد اعتماده للعديد من الإصلاحات على مدى العقدين الماضيين، ووضعه لبعض البرامج الحكومية، وإرسائه لاستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد منذ نهاية عام 2015، يتطلع المغرب، وفقًا للتوجيهات الملكية، إلى ولوج حقبة جديدة في مكافحة الفساد، مؤطرة بإرادة راسخة تستمد أسسها من دستور المملكة لعام 2011، الذي أفردبابا كاملا للحكامة الجيدةبما تتضمنه من نزاهة ومساءلة، كما أحدث أو ارتقى بالعديد من السلطات والهيئات إلى مرتبة المؤسسات الدستورية المستقلة، كما هو الشأن بالنسبة للهيئة الوطنية لنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
وزاد قائلا: وفق هذا التوجه، جاء اعتماد القانون رقم 46.19 في عام 2021، ليكرس مهام وصلاحيات الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وليُكمِل ويعزز المنظومة الوطنية لمكافحة الفساد،ويوفر شروط التكامل المؤسساتي، ومتطلبات التآزر والالتقائية، تجاوبا مع منطوق ومقصود النص الدستوري والتوجيهات الملكية السامية. وسيساهم دخول هذا القانون حيز التنفيذ، وما يستتبع ذلك من تفعيل مهام الهيئة في تعميق المعرفة بالظاهرة، والقيام بالأبحاث والتحريات في الملفات المتعلقة بقضايا الفساد، واقتراح التوجهات الاستراتيجية، والاضطلاع بمهام الإشراف والتنسيق وضمان تتبع تنفيذ السياسات العمومية لمكافحة الفساد، في تعبيد الطريق نحو ولوج هذه الحقبة الجديدة في مكافحة الفساد؛ بما يستجيب لإرادة السلطات العمومية ويلبي انتظارات المواطنين.