كوثر جلال: مهنة المحاماة مدنية لا تكتسي أي طابع عـسكـري حتى نميز بين المتمرن والنقيب

كوثر جلال: مهنة المحاماة مدنية لا تكتسي أي طابع عـسكـري حتى نميز بين المتمرن والنقيب كوثر جلال

بصفتي محامية بهيئة المحامين بالدار البيضاء، فوجئت بتداول مسودة لمشروع القانون المتعلق بمهنة المحاماة عبر شبكات التواصل الاجتماعي في تجاهل للقنوات الرسمية المعتادة لإعداد مشاريع النصوص القانونية.

اطلعت على المسودة مجهولة المصدر، دون أن يخطر ببالي طرفة عين أن هذه الوثيقـة صادرة عن وزارة العدل، إلا أنه وخلافا لكل التوقعات، تبين لاحقا أن هذه المسودة المتداولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي صادرة فعلا عـن الوزارة، لنصير ولأول مرة في تاريخ التشريع المغربي، أمام قناة جديدة لتواصل وزارة العدل مع المؤسسات المهنية وهي شبكات التواصل الاجتماعي.

بعد أن استوعبت الأمر وبعد أن اقتنعت بأن النص المتداول هو نص رسمي صادر فعلا عن وزارة العدل، استسلمت لقراءته، فأصبت للأسف بخيبة أمل كبيرة لمجموعة من الأسباب منها ما يلي:

أولا، يتعين التذكير أن شكـل بدلة المحاماة في الأصل مستوحى تاريخيا من لباس رجال الدين الأوروبيين، لأن المحاميـن كانوا في الأصل رجال دين من ناحيـة، وللتذكير بأن العدالة شأن من شؤون الخالق من ناحية أخرى. تاريخيا وفي فرنسا على الخصوص، خضع شكل البدلة للكثير من التعديلات إلى أن استقرت على شكل وحيد موحد منذ أكثر من قرن. كما المحامين المغاربـة يرتدون نفس البدلة.

إلا أن الــمسـودة موضوع النقاش الحــالي أتــت بمقتضى قانوني غــريــب يخلق تميـيــزا بيــن المحاميـن عـبـــر وضع شارات أو نياشين مهنيــة على البدلة للتمييز بين المحامي المتمرن وبين المحامي الرسمي وبين النقيب.

فـكــرت مـلـيـــا فـــي الســبب الــموضوعي الــذي قد يـبــرر التــميــيــز بـيــن محاميــــن منتمــين لــنفس المهنـة، مهنة مدنية نبيلـة لا تكتسي أي طـابـــع عـسكــري، فـلــم أجــــد أي سبب، وذلك لسبب بسيط يكمن في غــياب أي سبب وجيـه يجــيــز وضع النياشيــن المهنيــة، فتذكرت ربما أن السبب فــي الـواقــع سبـب غــيـــر مــوضوعــي وراجع لنــــرجـسية الـبــعـــض وحاجتهم إلـى التميــز عـــن زملائهـم لتــذكيــرهـــم بــصفــاتهـم ومركزهم المهــني.

ثــانــيــا، بــيـنمــا كنــا نـطـمـــح لمــشروع قــانـــون معاصــر يـتـمـــاشــى والتـحــديـــات الراهنــة للـمهـنـــة، صـدمـنا بـمــســـودة تـــرجع بـالمهـنــة والـمحامـيـــن إلــى الـــوراء بخــطى كبـيـــــرة. لا أخفي خيبة أملــي وأنـا أكـتـشــف أن الـمسـودة لـم تـخـصص مـكـانـــا للـمـــرأة المحامـيـة بحيث إنهــا تـنــاســـت وتـجـــاهـلــت مـبـــدأ المناصفـة بـيــن الجـنـسيــن داخـــل الـمـؤسســـات المهـنـيـة المحـلـيـــة والـوطـنـيــــــة. فـفـــي ظــل الـمـسودة مــوضوع النــقـاش، ستضم مجالس الهيئات تمثـيـليـــة نسائيـة لا تتعدى 10% على الأكثــر، وهذا ما أثبتتـــه التـجربــة منذ زمن بعيــد. والأخطر من ذلك، فلن يضم المجــلــس الـوطـنــي للمحاميـــن أي امــرأة لأن العـضويــة مخـصصة للنـقـبـــاء فـقـــط والحال أن أول وآخــر نقيبــة عرفها تاريخ المهنة في المغرب انتخبت سـنـــــة 1966، أي أن المسودة تــغــلـــق الــوجـــه أمام المحاميات للظفر بأي كرسي داخل المجلس الوطني للمحامين.

وفــي هــذا الـصــدد، تـتعــيـــن الإشارة إلا أن الـقانـــون 19.20 المعــدل للقــانــون 17.95 الـمنـظــم لـشـركـات الـمساهــمـة المـنـشــور بـالجـريـــدة الــرسمـيـة بــتــاريـــخ 22 يوليوز 2021، أتى بمقتضى مهم يتعلق بتحقيق المناصفـــــة بين الجنسين داخل أجهزة تسيير ومراقبـة الشركـات التي تدعو الجمهور إلى الاكـتـتـاب.

كــمــا يتعين التذكير بمقتضيات الفصل 19 من الدستــور الذي ينص على أن الدولـة تسعــى إلى تحقــيــق مـبــدأ المناصفــة بين الــرجال والنســاء.

إن مــن أولويــات كــل تـشريـــع حـــداثـــي وعــصري، احتــرام هذا المبدأ والسعــي إلى تكريس مبـدأ التــوزان في التمثيليـة بـيـــن الجـنسيــن، وإلا ابـتعـــد عــن التحـديــات القــانـونــيــة الاجـتماعــيـة المعـــاصرة.

ثـــالــــثــا، تـمـســــكت المـســـودة بالـمـقـتـــضى الـــذي يـمـنــع المحـاميـــن من اللـجــوء للإشـهــار. وهــنــا أتساءل ألــم يحن الوقت لتجـاوز هــذا التـفـكيــــر التـقـلـيـــدي للمـمارسـة المهنـيـة. فالمحامي يقـدم خــدمة في الســوق القـــانـونـيـــة رفقـة متـدخلين آخــريــن غير خاضعين لـمجموعة من الـقيــود الناتجـة عن النظرة التقليديـة والمتجاوزة لمهنـة المحاماة. حـظــر الإشـهـار يـحـــد مـن حــريــة إســـداء الـخـدمــــات.

وفـــي هـــذا الشــأن، يحضرني قـــرار مبدئي لمحكـمـة الاتـحـــاد الأوروبـــي مـــؤرخ فــي 5 أبـــريــــل 2011، اعـتـبـــر أنـــه لا يمكــن للـتشـريـــع الـوطــني أن يمـنع الخـبـــراء الحيسوبيين مــن القـيــــام بأعــمـــال تـستهــدف جـلـــب الـــزبــنــــاء.

الأكيـــد أنـــه يـجــــب عــلى المحــامــي أن يـلتـــزم بـقـــواعـــد وأعـــراف المهــنـة وبمبادئ الكرامــة والنــزاهــة. إلا أن التشريع يجب أن يسايــر التطورات التي يعرفها المجتمع وألا يسير عـكــس الـممارسات الـمتـــداولـــة إذا يرمــي إلى الرقي بالممارسة المهنية وجعلها ممارسة نزيهة واضحة المعالم وقائمة على معايير تأخذ بعين الاعتبار الإكراهــات اليومية المستحدثة.

رابــعــا، لاحــظــت أيضـــا أن صيــاغـة الـقـــســم المهني تم تعديلهــا بحـيـث تم إقصـــاء مـبـدأيـن أساسيـيـــن وهـما احترام الـســـر المهــنــي واحـتــــرام المــؤسـسات المهــنـــيـة. فهل هــذا مؤشر على التخلي عن هذه المبادئ؟ لا أظن ذلك.

خـــامــســـا، مـــن غيـــر المـنطـــقـــي أن يستمر تشريع سنــة 2022، في منع المحامي من الاتــفــاق مع الموكل على تحديد الأتـعاب حسب النتيجـة المتوصل إليهــا. هــذا المنع متجــاوز خاصــة أن الأمر يتعلق بممارسة مهنية متداولــة معـمــول بــهــا وجــاريــة فــي الـواقــع العملــي. فالتـشـــريــع المهـنـــي الـفـعـــال هــو الـتـشـــريــع الـمستـوحــى مـــن المـمــارسات المهـنـيــة ومن انـتـظــارات الـممـارسيـــن وزبــنـائـهـــم.

إذا اعتـبـــرنا أن هـــذه المـمــارسة المهـنـيـــة غيـــر مقبــولـــة، فيتعـيـــن التصدي لهــا. أمــا سنــة التــغــافــل وقضــاء الأمــولا بتركهـــافهــو عبارة عن نـفـــاق اجـتمـــاعـــي قانـوني، وهــو بـــذلك أمـــر غيـــر مقــبــــول في معـــرب الــيـــوم. الشيء المؤكــد، هـو أن الاتفاق المبرم بين المحامي وموكلـه حول تحديــد الأتعاب بالنتيجـة لا يتعارض وأي مقتضى قانوني من النظام العام وليس من شأنه أن يخلق أي خــلل بين المتعاقدين خاصة في العلاقات المالية، ما دام الأمر يتعلق بعقــد مبرم بإرادة الطرفين.

ويـكـفـــي إجراء مـقـــارنـة مــع التـشــريعات العربيــة للـــوقـــوف عـــلى أن الـتشـــريـــع المغربي الحـالـــي مـتـجــاوز فــي هـــذه الـنقـطــة كـمــا يـتــضح مــن الجـــدول التــــالـــــــــي:

البلد القانون المطبق القــاعـــدة 

الجزائر

م 23 من القانون 13-07 /29/10/2013 

لا يمــكن أن يــكــون مـــبــلغ الأتــعـــاب خــاضــعــا لـــلــنــتــائج المتوصل إليها ويعد باطلا كل اتفاق يخالف ذلك. غــــــــيــــــــر أنه فـي المــــــــواد الــــــــتـــــجـــــــاريــــــــة وعـلاوة عــــــــلى مسـتحقـاته، يمكن الأطراف تحـديد أتعـاب إضافيـة بحسب النتائج المحققة أو العمل الذي المقدم بناء على اتفاق مكتوب.

تونــس

الفصل 38 من المرسوم عدد 79 لسنة 2011 /20/08/2011

تحدد أتعاب المحامي بموجب اتفاق مسبق بينه وبين حريفه وتقدر أساسا بالاعتماد على طبيعة الخدمة التي يسديها ومدتها وأهميتها وعلى خبرة المحامي وأقدميته والجهد الذي بذله والنتيجة التي أمكن له تحقيقها.

ويمكن للطرفين كذلك الاتفاق كتابة على تخصيص المحامي بنسبة من قيمة ما سيتم تحقيقه من النتائج على ألا تفوق تلك النسبة العشرين بالمائة وألا تكون ذات طبيعة عينية أو مخلة بشرف المهنة وكرامة المحامي.

موريتانيـا

المادة 35 من القانون رقم 16/2020 -24/07/2020

تحدد أتعاب المحامي عن التمثيل والترافع بموجب اتفاق مسبق بينه وبين الموكل، وتقدر أساسا حسب طبيعة الخدمة ومدتها والجهد الذي سيبذله المحامي والمركز المالي للموكل والنتيجة التي كان بإمكان الموكل الحصول عليها، دون المساس بالتزام المحامي المتمثل ببذل العناية.

ولا يجوز أن تكون عينية أو مخلة بشرف المهنة وبكرامة المحامي.

وتحدد اتعاب المحامي بموجب نص تنظيمي.

قطر

المادة 37 من القانون رقم 23 لسنة 2006 (عدلت بتاريخ 2 يناير 2008)

تُحدد أتعاب المحامي وفقاً للاتفاق المعقود بينه وبين ذوي الشأن، ويجوز أن يتفق على أن تكون قيمة الأتعاب بنسبة لا تزيد على (10%) من قيمة ما يُحكم به في الدعوى.

ملاحظة: النص السابق للمادة منذ 28/08/2006 إلى غاية 02/01/2008: تتحدد أتعاب المحامي وفقاً للاتفاق المعقود بينه وبين ذوي الشأن. ولا يجوز أن يتفق على أن يكون استحقاق الأتعاب معلقاً على شرط كسب الدعوى، أو أن ينسب مقدار الأتعاب إلى قيمة ما هو مطلوب في الدعوى، أو ما يحكم به فيها.

ســادســا، يتعين توضيح مقتضيات الـمادة 35 مـــن الـمـســودة المتعلــقــة بنـيـابــة الـمحـامـــي.

تنص هــذه الــمادة أن الـمحـامــي يـــزاول مهــامــه بـمجمـوع تـــراب المملكة المغربـيـــة، مــع مراعــاة الاستثناء الـمنصوص عليــه فــي المــادة 24 أعـــلاه، مــع إعـمــال مقـتضيـات الـوكــالــة مـتــى وجـــدت، وهـــي المقـتـضيــات المـنصـوص عـليـهـــا فـــي قـــانـــون الإلــتـــزامــات والعـقــــود ل1913. وفـــي هــــذا الإطـار، أؤكــد أنـنـــي لا أدافــع عــن الاستمـرار فــي العـمـــل بالنيـــابـــة القــانـونيـــة للمحــامـــي، بـيــــد أنــــني أسعـــى لـتشـــريـــع واضح و صريــح بـــدون لـبــس و خـلط لحمــايـــة كــــل مـــن المـتقـــاضي والمحـــامـــي. فالصياغـة الحاليــة للمادة 35 غيـــر واضحة، وهــومــا مـــن شــأنـــه أن يخـــلـق عـــائـــقـــا فـــي التطبيــق و تــضاربا فــي قـــرارات المحـاكــم يضـاربــان بعــرض الحــائـــط مـبـــدأ الأمــــن القـــانـــوني الـــذي يعـتـبـــر ضـمـانــا لحـقـــوق المخاطبين بأحكام القانون.

سابــعــا، كــرســـت الـمســودة نـــظــام محــامــي الإدارة. وهــو أمـــر محــمـــود مبدئيــا إلا أنــه يتعــيـــن تعـميــمـــه عـــلى الــقــطاع الخاص أيضــا على النحــو المعمــول بـــه في التـشــريـعـــات المقارنـة الـتي تــقــنــن نظام المحامي الأجير l’avocat salarié أو المحامي داخل المقاولــة « In house lawyer » ، خاصة أن الممارسة اليومية تعــرف هذا النوع من الممارسات بحيث إن مجموعـة من المحامين المسجلين بجداول الهيئات يعملون في القطاع الخاص بشركات تجاريـة تحت لـــواء عــقـــود عـمـــــل.

ثــامــنـــا، قـنـنــت الـمســودة لأول مرة مسألــة المكــاتــب الأجنـبـيـة بالــمغــرب، وهـو مستـجـد تشريعــي يــكــرس ممـارسات مـتــواجــدة مــنــذ سـنــوات. غـيــر أنــه يتعـيــن وضع إطــار قــانــونــي واضــح لمـمـارسـة هــذه المكـاتــب الأجنـبـيــة يمكن من إدمــاج المـحــامــي المغـــربي في تركيبتهـــا.

والغريـــب أخــيـــرا، أن مـسودة مـحــررة فــي 2022 تتـمســك بمقـتـضيــات مـتجـاوزة. فكيف يمكن الاستمرار في منع المحامي من الانتقال لدى موكليــه؟ هـــذا المقـتــضى مـتجــاوز ولا يـتــم احــترامـــه، فــلـمــاذا نـتـمســك بـــــه؟

إن الــتـــشريــــع الفــعــــال، هـــو التــشريــــع المستـــوحـــى مـــن الــواقـــع ومـن المـمـارســـة العمليــة، وهو التشريــع الذي يستمع لمهـنــيــي القطاع عـــبـــر مــؤسســاتــهـــــم، وهــو التشريـــع الذي يواكــب الممارسـة اليوميـة للمهنـة لأن المهنـة وممارستهــا تتطوران يوم عن يـــوم. فنحــن نـطـــمح لتشريـــع مـعـــاصــر حـــداثـــي غيـــر مبــني عـــلى أي تمييـــز تـجـاه المرأة وفي مستوى الرقي الذي نطمح أن يبلغــه مجـتمعــنـــا.

 

كــوثـر جــلال، محاميـة بهيئة الدار البيضاء