فلا الأخوة الموريتانيون ولا المغاربة اعتبروا ما قاله الفقيه المقاصدي أحمد الريسوني، إهانة لأي جهة، لأنه يتحدث بمنطق التاريخ، ولا يمكن ان نلغي علم التاريخ او نحرف وقائعه وأحداثه وإرثه المشترك، وهذا شيء معروف وموثق ولا ينكره إلا جاهل أو من كانت له أغراض دنيئة للوقيعة بين الدول والجيران مثلما تقوم به الجزائر اليوم في هذه النازلة. وحينما نتحدث على أن جزءا كبيرا من النخبة السياسية الموريتنانية التي كانت تطالب بخروج الإستعمار الفرنسي كانت ترغب في عودتها إلى حضن الوطن الأم، هذا تاريخ.
وحينما نتحدث مثلا عن حرمة ولد بابانا ، أو عندما نتذكر الداي ولد سيدي بابا، الذي كان رئيسا للبرلمان المغربي، أو حينما نذكر الأمير فال ولد عمير الذي رفض المشروع الفرنسي لفصل بلاد شنقيط عن المغرب، واليوم أحد أكبر شوارع العاصمة الرباط يحمل اسم فال ولد عمير، هذا تاريخ لا يمكن إلغاؤه، وهناك اسماء كثيرة لا يمكن حصرها من الوطنيين الذين قادوا فعلا حركة التحرر في موريتانيا ضد الإستعمار وكانوا يعتبرون أنفسهم مغاربة وبلاد شنقيط جزءا من المملكة..
ويمكن بسهولة في هذا الباب العودة إلى الأشرطة الوثائقية بالفيديو على الشبكة العنكبوتية سواء في الأرشيف الفرنسي، أو التي بثتها بعض القنوات العربية المشهورة، و"سيرى المشاهد التظاهرات في بلاد شنقيط التي كانت ترفع الرايات المغربية تعبيرا عن إنتمائها للمملكة المغربية، هذه وقائع تاريخية مسجلة، وحينما نتحدث عن التاريخ لا يمكن أن نقفز على حقائقه لإرضاء السياسة.
وعلى عكس ما ذهب إليه البعض في محاولة لقراءة مغرضة تشوه تصريحات الريسوني لخدمة أجندة العسكر الجزائري، زاعمين بأنها مسيئة إلى موريتانيا وتستهدف وحدتها الترابية أو تلغي وجودها، فإن ما ورد على لسان الريسوني ليس فيه أي إساءة للموريتانيين ولا لغيرهم لأن اللوم أصلا موجه إلى المغاربة، حيث يؤكد الريسوني بأن المملكة أخطأت حينما تخلت عن موريتانيا،
و لم يقل أنه يجب أن نلغي استقلال موريتانيا أوأنه ينبغي أن نضمها بالقوة وإنما قال بأن المغرب أخطأ حينما قبل بالأمر الواقع الذي فرضته فرنسا الإستعمارية بالقوة، بمعنى آخر يقول الريسوني أن المغرب أخطأ حين لم يواصل كفاحه في مواجهة فرنسا من أجل استعادة بلاد شنقيط التي ستصبح موريتانيا فيما بعد."
والتاريخ سجل أنه مثل ما كان لدينا جيش التحرير المغربي يقاوم في الصحراء المغربية وحاصر الجيش الإسباني في مدينة العيون، ومعركة "ايكوفيون" الشهيرة شاهدة على ذلك، كان لدينا أيضا جيش التحرير المغربي يقاتل في موريتانيا وهي حقائق تاريخية لا سبيل لإنكارها.
وبالتالي عندما يتحدث الريسوني في هذا الموضوع فإن كلامه علمي مسنود بحقائق تاريخية ولاعلاقة له بالسياسة حاليا وتفاعلاتها ولا علاقة له باستقلال موريتانيا الحالية، ولا ينقص من موريتانيا في شيء.
وإذا قرأنا بنفس موضوعي ما قاله الريسوني، فمعنى كلامه ومضمونه يصب في عكس ما تريده الدعاية الجزائرية المغرضة التي أشعلت نار الفتنة، حيث نجد الفقيه الريسوني قد عبر عن وشائج الإرتباط بالموريتانيين وأننا شعب واحد وهذا يدخل في صميم القبعة التي يرتديها بوصفه أحد علماء الشريعة الذين يدعون إلى وحدة المسلمين والإنتماء إلى الأمة الواحدة وعدم تمزيق الشمل خدمة لأهداف الاستعمار الاوربي ومصالحه المتواصلة في تمزيق الدول والشعوب.
إذن حديث الريسوني جاء في معرض تأسفه وتألمه لهذه الفرقة التي وقعت بين أطراف جسد واحد، وهي تصريحات من باب الأخوة والتودد للأشقاء الموريتانيين بأننا شعب واحد ونتألم لهذا الانفصال الذي وقع بين البلدين، وليس إلغاء لاستقلال موريتانيا الذي اصبح واقعا سياسيا.
ولا يمكن قراءة تصريحات الريسوني، على أنها محاولة لخلق البلبلة بين العلاقات المغربية الموريتانية، بل العكس تماما تصريحاته هي رسالة محبة وتذكير بوحدة التاريخ والمصير، لأننا عندما نقول بأن المغرب أخطأ في موقفه التاريخي حينما تنازل تحت ضربات فرنسا عن كفاحه واستماتته في الدفاع عن بلاد شنقيط كجزء من المغرب، فإن الريسوني يتحدث عن الارتباط بالموريتانيين وبهذا الحب الذي يكنه المغاربة لأشقائهم في بلاد شنقيط بالنظر إلى الانتماء للتاريخ المشترك بين الشعبين.
المغرب الرسمي غير مطالب بالتعبير عن موقف رسمي إزاء تصريحات الريسوني، ألا إذا صدر عن الجانب الموريتاني موقف رسمي بهذا الشأن، آنذاك يتعين على الخارجية المغربية، أن ترد ببيان تؤكد فيه بأن الريسوني لا يمثل أي جهة رسمية بالمغرب وبالتالي كلامه يخصه و لايمثل الموقف الرسمي للمملكة.
ولا ننسى ان الريسوني، محسوب على المعارضة أكثر من كونه قريبا من السلطة، على خلاف ما رورج له النظام الجزائري الذي وصفه بفقيه المخزن، وفقيه البلاط الملكي، وهذا تزوير للواقع فمعروف أن الريسوني كان قد قدم استقالته من حركة الإصلاح والتوحيد بعد تصريحات له حول إمارة المؤمنين، وهذا الخلط مقصود من الاعلام الجزائري وحركة "حمس" المتأسلمة لتقديم الريسوني زورا وكأنه مقرب من البلاط للتلبيس على الراي العام الموريتاني والدولي.
ويبدو أن الأشقاء الموريتانيين، او جزء منهم في المواقع الإلكترونية الموريتانية، قد وقعوا بالفعل في الفخ الذي تسعى إليه الجزائر للوقيعة بين المغرب وموريتانيا، لأن العسكر الجزائري يغيضه نجاح سياسية حسن الجوار بين البلدين الشقيقين، ويغيضه حجم المبادلات التجارية بينهما، وعمق الروابط القبلية والثقافية والاقتصادية وحتى العسكرية بين الجارين.
وهذه ليست المحاولة الأولى ولا حتى العاشرة، وما ازمة الكركرات عنا ببعيد والتي كانت محاولة لقطع الشريان الاقتصادي بين المغرب وموريتانيا.
وبالعودة إلى موقف الخارجية المغربية فهي غير مطالبة بل غير مرغوب منها أن ترد على الريسوني باعتباره شخصية مستقلة وليست له أي صفة رسمية من قريب أو بعيد.
وإذا اضطرت الخارجية للرد على موقف رسمي موريتاني في المستقبل، فعليها أن تهيب بالأشقاء المورتيانيين بأن يتفطونوا إلى أن هذه الفتنة وأن هذا الفخ قد نصبته بإحكام المخابرات والنظام العسكري الجزائري لضرب العلاقات الأخوية وحسن الجوار والعلاقات التاريخية والإنسانية والعائلية والإقتصادية والثقافية التي تربط بين البلدين. أحمد نورالدين، خبير في ملف الصحراء