خليفي:الجهاد لدى الحركات الإسلامية.. من جماعة الإخوان المسلمين إلى تنظيم الدولة الإسلامية

خليفي:الجهاد لدى الحركات الإسلامية.. من جماعة الإخوان المسلمين إلى تنظيم الدولة الإسلامية عبيد خليفي وغلاف المؤلف
إنّ موضوع هذه الكتاب، ظلّ زمنا حبيس التناول الإعلامي للصحفيين، وبعض الخبراء وأشباه الخبراء، ولم تكن للجامعة التونسيّة الجرأة الكافية لتناول هذا الموضوع المعاصر الحارق، إلا في محاولات محدودة، ويأتي هذا الكتاب محاولة لمُراكمة العمل البحثي الأكاديمي، في فهم الظاهرة الجهاديّة، من حيث الأسباب والتداعيات، ضمن الإشكالية: هل يمكن الحديث عن عقل جهادي؟ كيف استطاعت مقولة الجهاد الإسلامي أن تكون الخيط الناظم لنشوء الإسلام الحركي بشقيه السياسي والجهادي؟
يندرج هذا الكتاب في مجال تاريخ الأفكار لفهم الوقائع والمسارات في ظهور الحركات الإسلاميّة الجهادية المعاصرة، ولم يكن الكتاب تأريخا لتلك الحركات، بل إن العلاقة الجدليّة بين التاريخ والجماعات والمنظرين الجهاديين هي التي أحيت الفكرة وجعلتها ترجمة سحريّة لكل مشاريع التغيير والبناء وتحقيق حلم الخلافة، وضمن سياق المرجعيّة الإسلاميّة كان العقل الإسلامي سلفيّا في الردّة نحو الماضي للبحث عن وسائل النهوض والتغيير، فكان سلفيّا إصلاحيّا في بداياته، وسلفيّا جهاديّا في مساراته، وما بين السلفيّتين ظلّ العقل العربي والعقل الإسلامي رهينا التفكير في مجريات الواقع بشروط الماضي. .
ينقسم الكتاب إلى مدخل وأربعة أبواب وخاتمة عامة: حدّد مدخل الكتاب الإطار النظري لظاهرة العنف وعلاقته بالأديان، وضمن السياق الإسلامي يُصبح مصطلح الجهاد هو العُنف الحاصل على تفويض المُقدّس المُتعالي، ومن ثمّ فالجهاد هو المفهوم الوسيط بين الذّات البشريّة والذّات الإلهيّة، بل إنّ هذا المفهوم سيتوسّط ثالوث الدين والدولة والعنف في سياق الحركات الإسلاميّة المعاصرة، ولم يكن مفهوم الجهاد لدى السلفيّة الإصلاحيّة سوى مشروع فكري لبناء الذّات وتطوير قُدراتها المعرفيّة والعلميّة للخُروج من عصور الانحطاط والتبعيّة، بينما كانت السلفيّة الحركيّة بشقيها السياسي والجهادي ترى في الجماعة المجاهدة المقاتلة سبيلا لإقامة حكم الله العادل في الأرض، وبهذا تحوّل الجهاد من سياقاته النظريّة الفكريّة إلى سياقاته العمليّة الحركيّة مُراكما من تجارب المواجهة والقتل والدم.
الباب الأول: في تأصيل مفهوم الجهاد لم يكن الباب الأول إزاء تقييم التجربة الجهاديّة للإسلام المبكّر، ولكنه كان إزاء تفكيك بنية العُنف المُقدّس الذي أسّس له النص القرآني ومنحته المشروعيّة النبويّة صبغة الوحي والتقديس، وكان له الترشيد بالخلافة الراشدة، فقوّة النص وبطش السّيف في مسار التاريخ ساهما في ظهور كيان الدولة الإسلاميّة التي ستصبح حلم الحركات الإسلامية المعاصرة، ولم يكن العنف الإسلامي تحت مسمّى الجهاد سوى عمليّة ترشيد للعنف الجاهلي وإشباع له بمعاني المستقبل وطموحاته، فتجلّى في صور أربع فكانت فصولا: سيف الدّعوة، سيف الردّة، سيف الفتح، وسيف الفتنة، وتبدو هذه السيوف متآلفة ومتقاطعة: تفرّد جهاد الدّعوة بالحضور النبوي المقدّس فكان الفعل الحربي مضخّما بالمخيال والأساطير المؤسسة للأديان، أما جهاد الردّة فكان تمكينا وحفاظا على المنجز التاريخي النبوي، وجاء جهاد الفتح ليدفع بالآلة الحربيّة العربيّة للهجرة نحو الأمصار تخفيفا من أعباء الدولة البسيطة الفقيرة، لكنّ جهاد الفتنة كان إعلانا لانتهاء المشروعيّة الدّينيّة وبداية العنف السياسي، فقام الباب الأول بقراءة نقديّة لنصوص التنزيل وآيات الجهاد ومفرداتها، وبحث في تاريخيّة النص وأدواته التأويليّة لتبرير العنف النبوي. .
الباب الثاني: الجيل الأول سيف الدّعوة والتنظيم كان مفهوم الجهاد عند روّاد الصحوة الإسلاميّة اجتهادا فكريّا وتحديثا للنصوص السلفيّة لتتلاءم مع مفهوم الدولة المدنية الحديثة، لكنّ فشل روّاد الإصلاح في تحديث الدولة والمجتمع العربي والإسلامي فسح المجال لظهور صحوة إسلاميّة حركيّة رأت في الجهاد فعلا ماديّا عمليّا وتجلّت في جهاد السيف لتغيير المجتمعات التي انحرفت والأنظمة التي طغت وتجبّرت. قام السيف المعاصر على مفهوم الدّعوة لبناء التنظيم الهرمي للأحزاب والجماعات، وتجلّى هذا السيف في ثلاث تجارب منفصلة ومتقاطعة، وقد صارت المرجعيّة العقائديّة للحركات الإسلاميّة المعاصرة: ففي سياق شبه الجزيرة العربيّة تجلّى جهاد الدولة دولة آل سعود محاكاة لتجربة دولة النّبي محمد، وفي سياق شبه القارة الهنديّة تجلّى جهاد الطائفة المسلمة لتنتج دولة باكستان ضمن الصراع الإثني بين الهندوس والمسلمين، وأخيرا كانت خاصرة المجال العربي مصر تنتج جهاد الجماعة جماعة الإخوان المسلمين. محمد بن عبد الوهاب وأبو الأعلى المودودي وحسن البنّا هم ثل…
 
د/عبيد خليفي، باحث تونسي