الحرادجي: من المرجح أن يكون الإنسان هو الفاعل في حرائق غابات شمال المغرب

الحرادجي: من المرجح أن يكون الإنسان هو الفاعل في حرائق غابات شمال المغرب عبد الرحمان الحرادجي
على هامش اندلاع حرائق الغابات بأقاليم العرائش، تطوان، وزان، تازة أجرت جريدة " أنفاس بريس " حوارا مع عبد الرحمان الحرادجي، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الأول (قسم الجغرافيا ) بوجدة أكد من خلاله أنه في غياب إقرار أي جهة بالمسؤول الفعلي عن اندلاع هذه الحرائق، فإنه من المرجح أن يكون الإنسان هو الفاعل، في غياب ظروف متاحة لأسباب أخرى (مثل الصواعق أو البراكين النشطة أو التماس الكهربائي)؛ علما أننا نعيش في فترة استقطاب الغابة والبادية للسكان بغرض النزهة .
 
كيف تنظر إلى ظاهرة تناسل الحرائق بكل من العرائش والقصر الكبير؛ وزان؛ تطوان، تازة وماهي أسباب ذلك في نظرك؟
لنبدأ من آخر السؤال، من الأسباب، كي نقف على ظاهرة تعدد هذه الحرائق بتزامن. فبالرغم من عدم وجود أي علاقة مباشرة تربط اندلاع الحرائق الغابوية (أو بالواحات) بارتفاع حرارة الطقس، فلا زالت بعض المنابر الوطنية والأجنبية تصر على وجود هذه العلاقة المفترضة. فنحن نعيش حاليا فصل الصيف الذي تتوفر خلاله بشكل دوري مواد قابلة للاشتعال بسهولة، نتيجة لليبس الفصلي الذي يطول النباتات عادة، وخاصة منها الحشائش والحصائد، وقد يرفع الجفاف المستفحل من حدة هذه الحالة، إلى جانب موجات الحر الاستثنائية. لكن هذه الحرائق كلها أو أغلبها، اشتعلت في أماكن تتميز بحرارة معدلة نحو الانخفاض مع ارتفاع التضاريس الذي تسود معه البرودة بشكل نسبي، في المناطق المعنية وهي العرائش وتطوان ووزان وتازة. ومن هنا نستبعد أي دور مباشر لموجات الحرارة.
وحتى مع عدم إقرار أي جهة بالمسؤول الفعلي عن اندلاع هذه الحرائق، نرجح أن يكون الإنسان هو الفاعل، في غياب ظروف متاحة لأسباب أخرى (مثل الصواعق أو البراكين النشطة أو التماس الكهربائي). فنحن في فترة استقطاب الغابة والبادية للسكان بغرض النزهة ولا سيما مع عيد الأضحى، وهو ما قد ترافقه عمليات إيقاد النار للطهي أو الشواء أو تهييئ الشاي أو فقط إشعال سيجارة.
 
البعض يرى أن الغابة مهملة من طرف السياسات العمومية فلماذا يغيب هذا البعد أي حماية الغابات بوضع تدابير استباقية لمواجهة التخريب أو الكوارث على غرار الدول المقارنة؟
شخصيا، لا أعتقد أن الغابة المغربية مهملة من هذا الجانب. وأظن أن هناك تدبيرا محكما للمجال الغابوي ببلادنا، على مستوى مكافحة الحرائق والوقاية منها، إذ نتوفر على بنيات ومؤسسات ومنها "المركز الوطني لتدبير المخاطر المناخية الغابوية"، ونتوفر على أسطول من الطائرات المخصصة لإطفاء الحرائق، مدعومة من آليات الجيش والدرك، إلى جانب سيارات الإطفاء المجهزة بأحدث الوسائل، يدعمها مجتمع مدني قوي بتماسكه وتطوعه وتضامنه كما شاهدنا في الاستطلاعات والتقارير، كما أن مجالنا الغابوي تتوفر فيه الممرات العازلة المهيأة للحد من انتشار الحرائق، رغم أنها قد تكون جزئيا غير مصونة بعمليات التنقية من الأعشاب والأنفوضة القابلة للاشتعال بوتيرة فعالة، وهذا وضع عادي واعتيادي في جميع البلدان.
وهكذا، قد أرجح شخصيا أن الخلل لا يكمن في التدبير، بقدر ما يكمن في انعدام الوعي والحس بالمسؤولية لدى المواطن الذي لا يقدر خطورة إيقاد النار أو حتى التدخين في الأماكن العطوبة والهشة. وأضيف إلى ذلك أن سرعة انتشار الحرائق تؤججها الرياح القوية، إذ تعقّد عمليات الإطفاء، بل قد تُضعف نجاعة الممرات العازلة، حيث تنقل الشعلات من بقعة إلى أخرى عبر هذه العوازل نفسها، والرياح هنا عامل طبيعي يعجز الإنسان أمامه بشكل مطلق. وإضافة إلى هذا، فالسيطرة على الحرائق قد تتطلب التعاون بين البلدان المتجاورة أو حتى المتباعدة للحد من الخسارات وربح الوقت، وهذا ما نشهده لدى البلدان المتوسطية الأوربية مثلا (اليونان وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال...)، بل وحتى التعاون بين المغرب وإسبانيا عندما دعت الضرورة إلى ذلك.
 
ماهي تداعيات فقدان المغرب المئات من الهكتارات الغابوية سنويا بسبب الحرائق في ما يتعلق بالتوازن الايكولوجي وتداعيات ذلك على التنمية عموما علما أن الدولة والساكنة والحيوانات تعتمد على الموارد الغابوية؟
للحرائق الغابوية تداعيات لا يمكن تجنبها، وتتراوح بين فقدان مساحات تصبح جرداء متصحرة ما لم يتم ترميمها وإعادة تأهيلها بالاستخلاف وإعادة التشجير، وبين الإخلال بالتوازنات البيئية، ليس على مستوى مكونات النبيت والوحيش وموائلها فحسب، وإنما كذلك على مستوى المهام الوظيفية للخدمات التي ينجزها المجال الغابوي، بالنسبة لتسريب الماء والحد من التبخر والسيلان والتعرية المائية والريحية. وتجدر الإشارة هنا أيضا إلى أن الكثير من الأوساط الغابوية "الطبيعية" هي عبارة عن موروثات قد لا تعود إلى سابق عهدها حتى مع أقصى عمليات الترميم والحماية بعد الحرائق، وذلك لكونها متأقلمة بصعوبة ولو نسبية مع الظروف المناخية السائدة حاليا، إذ تختلف عن الظروف البيئية القديمة التي احتضنتها إبان توطينها الأولي، ولا سيما مع الإقحال المناخي التدريجي الذي نعيشه منذ بضعة آلاف من السنين.
أما فيما يخص الأبعاد التنموية، فالحرائق تأتي على موارد ومصادر للثروة قد لا تقدر بثمن. فالغابة ملجأ للمواشي من أجل الرعي خلال موجات الجفاف أو تحت حركات الانتجاع، بل هي المأوى اليومي الاعتيادي لمجاوريها من السكان ومواشيهم، ومصدر رزق بعضهم. ونعقد آمالا كثيرة وكبيرة على استيعاب المواطن لهذه الأمور وأخذ العبرة من هذه الحرائق، لاعتبار الغابة حاضنة لنا ولاقتصاد العديد منا، مما يستوجب حمايتها ووقايتها من كل ما يؤذيها من سلوكات، وعلى رأسها ليس النار فقط، وإنما أيضا عمليات الاجتثاث والرعي الجائر وتوسيع الزراعة العشوائية، مع العلم أن الغابة في حاجة إلى تنقيتها من الحطب اليابس والأوراق والنباتات اليابسة، وهي عمليات منوطة بالإنسان وبرعي غير جائر يسخر له الماعز أساسا.