منصف اليازغي: الجانب الاجتماعي ليس سببا رئيسيا في شغب الملاعب

منصف اليازغي: الجانب الاجتماعي ليس سببا رئيسيا في شغب الملاعب منصف اليازغي
إن الجانب الاجتماعي ليس سببا رئيسيا في شغب الملاعب، لأن معناه أن أعمال العنف ستحصل في جميع المباريات وبالتالي، فنظرية العوامل الاجتماعية بالنسبة لي خاطئة، لأن العديد من المجتمعات في الدول الإفريقية تعيش نسبة فقر أكثر من المغاربة ولديهم ضغوط اجتماعية كثيرة، لكن ظاهرة الشغب عندهم غير موجودة. 

إن ما يقع من أحداث عنف وشغب هو نتيجة لغياب سياسة واضحة لمكافحة الشغب، حيث يظل الاعتماد فقط على الندوات والأبحاث ودوريات الجامعة، في غياب سياسة واضحة من أجل التقليل من هذه الظاهرة. وبالتالي، لا يمكن حل المشكل بقرارات مناسباتية، بل المفروض أن تكون قرارات صارمة وفق سياسة ناجعة.

إن المشكل يكمن في غياب وسائل اجتماعية، من قبيل دور الشباب والثقافة، وغياب التأطير من قبل الأحزاب السياسية والجمعيات، لذلك، فإن الشباب لم يعد لديهم وسيط يقوم بتوعيتهم ويلعب دور الوساطة بينهم وبين المؤسسات، مثل جمعيات المحبين، التي كانت لها في التسعينيات والثمانينات مكاتب وكان هناك أشخاص معروفون يقومون بدور مهم عبر التواصل مع الأندية وتأطير الجماهير.
كما أن “الإلترات” غير منظمة وليس لديها أشخاص معروفون أو رئيس معين، لأنها فقط تجمعات غير معروفة الكل يندمج داخلها، ولا يمكنها التحكم في آلاف المشجعين في نفس الوقت، وبالتالي، حتى السلطات لا تعرف من تخاطب فيهم.

إن المغرب يتوفر على ترسانة قانونية مهمة جعلته من البلدان القلائل التي تتوفر على قانون يتعلق بالمتفرج الرياضي، وهو قانون مستقل عن القانون الجنائي الذي ينظر للجرائم والحالات التي تقع في المجتمع، حيث أنه يميز بين الأحداث التي تحصل في الملاعب والجرائم الأخرى، لكن الإشكال المطروح. هذا القانون صدر في سنة 2011، لكنه لا يطبق، وجاء عقب الرسالة الملكية (2008) التي تضمنت فقرة تتعلق بمعالجة العنف داخل الملاعب، ولا يتضمن أي فصل أو مادة بخصوص منع القاصرين من دخول الملاعب عكس ما يعتقد البعض.

وأؤكد أن هذا القانون يتضمن بعض الفصول التي تتعلق بتجريم الأفعال التحريضية داخل الملاعب، ويتحدث عن تجريم الناس الذين يقومون بالتلاعب في أثمنة التذاكر، لكن لا يتم تطبيقه، كما ينص على إحداث لجنة وطنية لمكافحة الشغب التي لم تخرج للوجود، حيث أن هناك مرونة كبيرة في تطبيق القانون وفي تعامل السلطات العمومية مع المعتقلين عن أحداث الشغب، إذ دائما ما يتم استحضار الجوانب الاجتماعية والدراسية، وبالتالي، عندما لا يطبق القانون بشكل حرفي، تصبح لدينا حالات متكررة للشغب في الملاعب، مما يجعل المتفرج لا يخشى شيئا في ظل عدم تفعيل فصول هذا القانون.

إن التجارب الدولية التي نجحت في مكافحة الشغب، نهجت سياسة ومقاربة خاصة، مثلا إنجلترا انتقلت من أكبر دولة تعرف أعمال عنف بالملاعب أو ظاهرة “الهوليغانز”، إلى دولة يضرب بها المثل في جميع الملاعب الأوروبية، بعدما تعرضت لعقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ومنعت من خوض المباريات، مما دفع بالسلطات الحكومية والمؤسسات الرياضية، إلى الاشتغال على الجانب التشريعي والتنظيمي والجانب التربوي، ثم على الجانب الإداري داخل الملاعب، بحيث تحولت الملاعب الإنجليزية إلى مسارح وأصبحت بدون سياج والناس يجلسون بانتظام وأمام اللاعبين، وتحولت المباريات إلى حفل رياضي وجائزة للأطفال نهاية الأسبوع.

الفرنسيون بدورهم قاموا بمقاربة تشاركية في معالجة ظاهرة الشغب، حيث اعتمدوا على منهجية أخرى، إلى جانب تعزيز الترسانة القانونية وإصدار مراسيم، وقاموا بعقد جلسات مع مشجعين وأنصار الأندية، وأصدروا ميثاقا عبارة عن كتاب أبيض يوضح تصور المشجعين، وتصور الدولة والمؤسسات الرياضية، لذلك، نجحوا في التقليل من ظاهرة الشغب لأنهم فتحوا باب الحوار مع الجميع، لكننا في المغرب، لم نصل بعد لهذا الأمر والشيء الوحيد الذي تحقق، هو إصدار قانون لا يطبق على أرض الواقع.
 
منصف اليازغي/ الباحث في السياسات الرياضية