عبد الجليل أبوالمجد: الأسرة المغربية بين الماضي والحاضر

عبد الجليل أبوالمجد: الأسرة المغربية بين الماضي والحاضر عبد الجليل أبوالمجد
مما لاشك فيه أن الأسرة تعد الخلية الأولى في بناء المجتمعات، فهي مرآة تعكس ما تتصف به المجتمعات من تماسك أو تفكك، ومن قوة أو ضعف. وتحظى الأسرة بأهمية خاصة في المعاهدات والمواثيق الدولية، وكذا في الدساتير والتشريعات الوطنية. وعلى غرار معظم الدساتير العربية تكفلت الدولة المغربية بحماية الأسرة بموجب الدستور في فصله 32 الذي جاء فيه أن "الأسرة القائمة على الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع، وأن الدولة تعمل على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها".
والملاحظ أنه رغم ما جاء به الدستور ومدونة الأسرة من مكاسب لصالح المرأة، إلا أن مشكلات ومعاناة الأسرة المغربية ازدادت بسبب عوامل خارجية وداخلية متداخلة ومتشابكة مع بعضها البعض. فماذا حدث للأسرة المغربية؟ ما الفرق بين أسرة الماضي والحاضر؟ وهل يمكن الحديث عن أزمة قيم تعيشها الأسرة بعد صدور مدونة الأسرة؟ والى أين تمضي الأسرة المغربية في ظل التغيرات المتسارعة في القرن الواحد والعشرين ؟
إن الإجابة عن هذه التساؤلات تختلف من باحث إلى آخر، وذلك وفق المنهج المختار ووفق الهدف المنشود. سيتم معالجة هذا الموضوع الشائك بكثير من الموضوعية بعيدا عن صراع وتنافس الأيديولوجيات المعاصرة المختلفة.
بالأمس القريب كانت الأسـرة المغربية في طابعها العام أسرة ممتدة ومتماسكة بشكل قوي، يسودها التعاون وروح التضامن والتآزر بين أفراد الأسرة الممتدة في تكاليف الحياة وأعباء المعيشة.
أما في العصر الحالي فقد تغير الحال، بفعل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ حدثت مجموعة من التغييرات الجذرية التي أثرت على الأسرة المغربية ماديا ومعنويا، فأصبح لدينا أسر نووية تمثل معظم هيكلة الأسرة المغربية مقابل الأسرة الممتدة الجامعة.
هذه التغيرات أوالتطورات أدخلت الأسرة المغربية في جملة من المشاكل والمعاناة اليومية لأسباب عدة منها:
- ضعف الإمكانات المادية لأغلبية الأسر المغربية، والذي انعكس سـلبـا على المجتمع برمته، خاصــة بعد خوصصة الخدمــات الأساسية وتكاليفها الباهظة كما هــو حال الصحــة والتعليــم، لاسيما التعليم العالي الذي أصبــح يشكل عــبئا إضافيا، وتكاليفــه تمتـص دخل معظــم الأسر المغربية مما تسـبب في الهدر الجامعي وترك الدراسة في ربيع العمر، وتولــد عن ذلك الحقد المجتمعي والطبقي، وغاب العدل فساد الظلم الاجتماعي... إلخ.
- المشكلات الثقافية والنفسية المتفاقمة التي تعرضت لها الأسرة المغربية، الأمر الذي تسبب في إهمال تنشئة الأبناء، وبالتالي اهتزاز قيم المجتمع كالاحترام والتضامن والتآزر العائلي ليس فقط داخل المدينة، بل حتى في البوادي.
وفي ظل هذه التحولات التي شهدها الكيان الأسري أخــذت العديد من الظواهر بالتزايد والانتشار منها الطلاق، والذي يعد حاليا، بالإضافة إلى الجهل والأمية، أحد أكبر التحديات التي يعاني منها المجتمع المغربي، بحيث أن هناك إحصائيات تشير إلى زيادة حالات الطلاق بشكل مثير للقلق، لاسيما بعد صدور مدونة الأسرة التي كان لها دور كبير في تشجيع المرأة على طلب الطلاق، بالنظر إلى المزايا والحقوق التي تحصل عليها قبل الانفصال.
وفي ضوء هذه الأوضاع المقلقة والتحديات الجمة التي تواجهها الأسر المغربية ومن خلالها المجتمع، صارت العديد من الظواهر متفشية بشكل خطير، منها على وجه الخصوص الاستخدام الخاطئ للتكنلوجيا، تفاقم العنف البيتي والانحراف الأخلاقي للأبناء، وتعاطي كل أنواع المخدرات التي تعد من المشكلات الخطيرة على الفرد والأسرة والمجتمع !
كل هذه العوامل والأسباب مجتمعة مع عدة عوامل وأسباب أخرى ليس هناك مجال لذكرها هنا أدت إلى تحولات تمس الأسرة المغربية في العمق.
وختاما، المطلوب اليوم من الدولة المغربية بمختلف مكوناتها من مجتمع مدني، وأحزاب سياسية، ومؤسسات دستورية وعلماء ومثقفين، حماية وتحصين الأسرة المغربية تفاديا لما قد يسببه تسونامي العولمة تحت شعار الحداثة والانفتاح من تفكيك العديد من الأسر عمليــا، ذلك أن المجتمعات الإسلامية والإفريقية، ومنها المغرب تعرف موجة شرسة ضد قيمها وهويتها بهدف طمسها، تتمثل في صراعات المصالح والقيم والهويات القاتلة التي من شأنها جعل المجتمع المغربي جسدا بلا روح، ضعيفا يسهل خرقه وتقسيمه.