عبدالله بوشطارت: رسالة مفتوحة إلى الجامعة الصيفية

عبدالله بوشطارت: رسالة مفتوحة إلى الجامعة الصيفية عبدالله بوشطارت
بادئ بدءٍ؛ وجب التنبيه إلى أن هذه الرسالة لا تخاطب الأشخاص ولا المكاتب ولا الأفراد ولا الجماعات، وغير موجهة لهم؛ بقدرما هي تخاطب تلك "الروح التاريخية" التي تمثلها شخصية معنوية اسمها  "الجامعة الصيفية بأگادير"، هذا الملك الرمزي لجميع أمازيغ العالم، وأمازيغ المغرب على وجه التحديد، هو المعني لأن الجامعة هي ملك مشترك للجميع.
إن الجامعة الصيفية التي انبعثت من صلب المعاناة الفكرية ومن تحت رماد سنوات الرصاص، من خلف الحصار المسيج بالحديد والأشواك السميكة التي كان العقل الأمازيغي مكبلا بها وباقي الأسئلة الفلسفية والثقافية والوجودية المنبثقة منه، وأعلنت عن نفسها في سنة 1980 كمنارة الفكر والسؤال الذهني حول الهوية والثقافة الأمازيغيتين، حين كان صوت الرصاص يلعلع في "تيزي وزو" جراء منع محاضرة فكرية لمولود المعمري من قبل النظام الجزائري مفجرا لانتفاضة شعبية تاريخية وسمت النهضة الأمازيغية المعاصرة في العالم وهي ما يعرف ب "تافسوت إيمازغن" التي يتجدد ذكراها وتذكرها كل سنة. ومادام أن الجامعة الصيفية هي الأخرى حملت شعلة الهوية والوجود والتاريخ والمستقبل، فلم تسلم هي أيضا من المنع والبطش من قبل النظام المغربي، وحضر نشاطها لفترة غير قصيرة مما أخر بروزها إلى الوجود عدة سنوات، وهي تكتم قلقها الفكري وتحمل في حضنها شعارا رئيسا أصبح اليوم السكة الصلبة الحقيقية التي تسير عليه البلاد والعباد بأمان وسلام تام، وهو "الوحدة في التنوع" الذي كان شعار الدورة الأولى للجامعة الصيفية.
ومنذ أواخر الثمانينات من القرن الماضي، كرست الجامعة الصيفية كل امكانياتها ومكانتها ورصيدها للسؤال الفكري والتنظيري والتنظيمي، وكانت محجا فكريا وفلسفيا حقيقيا يحج إليه المفكرون والباحثون والخبراء والمحامون والأساتذة والطلبة من كل بقاع المغرب، يحضرون أوراقهم وأفكارهم ومواقفهم، يتناقشون ويتجادلون، يختلفون ويتفقون، لرسم الأفق النظري والفكري والسياسي للحركة الامازيغية من جوانب مختلفة، وكانت تلك النقاشات والجلسات الفكرية هي الفرشة الأولى للخطاب الأمازيغي.
وفي ذات سنة 1991 نظمت أكبر مسيرة شعبية في المغرب شارك فيها أكثر من مليون مشارك، على خلفية اندلاع حرب الخليج، كان القوميون والاسلاميون في أوج قوتهم، وكانوا يقودون المغرب نحو المجهول بسبب اقبار هويته الحقيقية وثقافته ولغته، وزعموا أن المغرب بلد عربي إسلامي يتماهى مع الشرق في كل شيء، إلى درجة يصعب فيه الحديث بالأمازيغية وما بالك اعلان الدفاع عنها. في خضم هذا التيه الثقافي والانسلاخ الثقافي، اجتمعت نخبة من المفكرين والمثقفين والحقوقيين الأمازيغ في مدينة أگادير احتضنتهم الجامعة الصيفية، وبعد جلسات فكرية متعددة ونقاشات عميقة وصريحة خلص الملتقى إلى اصدار وثيقة مرجعية وتاريخية في مسار نضالات الأمازيغ قديما وحديثا، وهي التي تسمى بميثاق أگادير، والذي ورد فيه لأول مرة التنصيص بضرورة الاعتراف الدستوري باللغة الامازيغية بالمغرب. وهو الأمر الذي تحقق بعد 20 سنة من اصدار ذلك الميثاق.
نذكر هذا، للاعتراف بما قامت به الجامعة الصيفية في تاريخ الأمازيغ، ولنبين أنها أصبحت ملكا جماعيا ومشتركا لهم بدون استثناء. لكن للأسف الشديد، هذه الجامعة التي تأسست لتكون فضاءً للحوار والنقاش المفتوح والحر لرسم أفق النضال الأمازيغي وتطوير خطابه الفكري والنظري والسياسي، في وقت لم تكن بعد جهة سوس تحظى بالجامعة، للأسف خلال السنوات الأخيرة تعرضت إلى ما يشبه القرصنة. وتحولت من جامعة مفتوحة تساءل الفكر والعقل والتنظير، إلى مجرد هيكل جامد يشبه إلى حد كبير وكالات تنظيم الحفلات، تقبض الدعم من المؤسسات المانحة وتصرفه داخل الفنادق المصنفة على هامش مهرجان موسيقي يحوم غموض كبير على تمويله، فلم يعد أحدا يهتم بموعد الجامعة، ولا يجتهد لإعداد ورقة بحثية ليساهم بها في النقاش والجدال الفكري. مما جعل هذا الإطار يتخندق في صراعات داخلية بسبب ظهور شبهات في صرف الأموال. في الوقت الذي كان الباحثون يتجادلون بالأفكار ويختلفون حول المنطلقات والمرجعيات وطبيعة المواقف التي يجب إعلانها والخطط التي وجب تبنيها، أصبحوا اليوم يتنابزون على دفتر الشيكات، وعلى الأرصدة البنكية.
الأخطر من ذلك، حين تبين أن هذا المِلك الجماعي للأمازيغ أصبح بطريقة من الطرق ريشا صغيرا من تحت جناح حزب إداري يتحرك حينما تهوى الرياح، وتتسابق طيوره مع الحمام الذي يساق إلى المدن عبر الطائرات لتلميع صورة حزب من الأحزاب لا صلة له بالأمازيغية ولا بالخطاب الأمازيغي، إلا بالمال الاحساني والاكرامي.
وحفاظا على الجامعة الصيفية وتاريخها، وأملا في استعادة توجهها الفكري والنظري والسياسي، فحان الوقت لكي تتخلص الجامعة من هذا العبث الذي يقودها نحو المجهول، نحو الضياع أكثر مما هي عليه الآن من الضياع، حان الوقت ليتم إعطاء المشعل للشباب الامازيغي المستقل الذي لا يشغل باله إلا سؤال الفكر ومصير القضية، شباب تحرقه الفكرة وتقلقه  منعرجات التحليل والتنظير، ويؤرقه المنهج والموقف، يتموقع في المسافات التي يجب التموقع فيها، يحتفظ بخطوط الممانعة، شباب نزيه لا يلهث لتهنئة رئيس حزب انتصر في معارك سياسوية وهمية...
 حان الوقت لتكون الجامعة الصيفية منصة فكرية وحوارية لرسم الأفق الاستراتيجي للأمازيغية، حركة وقضية، لا لجامعة صيفية تدفن تاريخها وتبعثر مسار الأمازيغية، لا لجامعة تدور حول الصفر خلال كل صيف. 
هل ستسمع الجامعة الصيفية هذا النداء وتتخلص من واقعها الجامد وتترك نفسها تنبعث من جديد بدون لف ولا دوران....