الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبدالوهاب تدموري: في حدود فهم استفادة الدولة من الحراك الشعبي

عبدالوهاب تدموري: في حدود فهم استفادة الدولة من الحراك الشعبي

من خلال ما نراه الآن من مزايدات في ملف معتقلي الحراك، ومن تشويش مقصود علي المحاكمات الصورية التي يخضعون له، أو من خلال تصريحات بعض أشباه المحامون الذين تدربوا في دهاليز الدولة المخزنية واستفادوا من ريعها، أو لبعض الصحفيين الذين  يقتاتون على فضلات مشغليهم من مختلف أقسام الاستخبارات الذين يجتهدون في تبخيس قضية معتقلي الحراك و الترويج لنظرية المؤامرة. ألا يمكن لنا أن نتساءل أن الدولة المخزنية قد صدقت فعلا أنها  انتصرت لمقاربتها الأمنية في مواجهة الإحتجاجات الشعبية والسلمية التي كانت قد أغفلتها نسبيا لصالح المقاربة الأمنية  القائمة على مواجهة الإرهاب الذي شكل هاجسا وموضوعا أمنيا دوليا بامتياز. ولم يتبق لها إلا استكمال بعض فصولها الأخيرة التي أوكلت مهمة تصريفها لبعض أشباه المحامين والصحفيين؟

وإن لم يكن كذلك، فماذا استفادت الدولة المخزنية من دروس الحراك الشعبي بالريف، وماذا استخلصت  من نتائج وعبر مما أنتجه الحراك من قيم و خطابات سياسية جديدة ومن المشاركة الواسعة لمختلف شرائح أهلنا بالري؟ اللهم إذا ما  استثنينا ما ورد من خطابات في شأنه ولو بطريقة غير مباشرة لرئيس الدولة والتي تنتقد الأوضاع والأحزاب والمؤسسات وتحملها المسؤولية الأدبية في ما يعيشه المغرب من غليان اجتماعي وفشل في اختياراته التنموية دون أن ترقى هذه الخطابات، مع الأسف، إلى  مستوي وضع خارطة طريق لوضع أسس مصالحة حقيقية بين الشعب ومؤسساته، ترتكز على تعاقدات اجتماعية وسياسية جديدة  قوامها العفو الشام، وإصلاحات دستورية عميقة لإنقاذ الوطن من المخاطر المتعددة التي تتهدده، وتعمل بالمقابل علي بناء جسور الثقة لمرحلة سياسية جديدة قائمة علي ربط المسؤولية بالمحاسبة و إعمال مبدأ المساءلة وعدم الإفلات من العقاب...؟

وإن سلمنا بما تعتقده الدولة المخزنية، إلا يحق لنا أن نعيد صياغة السؤال على الشكل التالي: هل يمكن أن نعتبر الحراك الشعبي قد انتهى مع اعتقال قياداته الميدانية وإخضاعهم لمحاكمات صورية بعد وضعهم في أقفاص زجاجية لاستكمال ديكور المسرحية ؟

أم أن الحراك ليس أشخاصا ذاتيين معتقلين من أجل مطالب مشروعة في سجن عكاشة أو غيره من السجون الدولة المخزنية، رغم كل ما نكن لهم من احترام، و رغم اختلافاتنا معهم في طريقة  تدبير الحراك. ولا هو أصحاب تجارة التخوين التي يتقمصها بعض جمهوريي علامة الأربعين الذين لم يبخلوا جهدا في تخوين المناضلين اليساريين الديموقراطيين المغاربة و خاصة الريفيين منهم سواء بالداخل أو الخارج، والعمل الحثيث من أجل إلصاق تهم الإنفصال على الحراك وقياداته من المعتقلين بالشكل الذي يتماهون فيه مع ما ورد من تهم في محاضر الإتهام…. بل هو حركة ممتدة  في الزمان والمكان، حركة من أجل قضية أكبر تعانق الحرية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، حركة  لكل الوطنيين الديمقراطيين، حركة  تعانق الكرامة و الديمقراطية لشعب عانى ولا يزال من كل أشكال الهشاشة والفساد السياسي والاقتصادي الذي تمارسه عليه النخبة الحاكمة منذ عقود من الزمن كانت آخر فصوله وفاة 18 امرأة بعضهن حوامل في تدافع المئات من الفقراء في أحد المداشر المغربية الذي يشكل نموذجا وليس استثناء لواقع الفقر الذي يعيشه أغلب المغاربة وذلك من أجل قفة عيش لا تتجاوز قيمتها مائة درهم، ولكنها تختزن مأساتنا المركبة التي تجمع بين الفقر والبركة والجهل وكل أشكال الفكر الخرافي. و من نتائجه أيضا التفشي المهول للبطالة لدى الشباب والفئات العمرية النشيطة، و انكماش اقتصادي خطير ينذر بأزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة، وهو ما يتجلى في تدني كل مؤشرات التنمية كما تقر بذلك المعاهد الدولية المتخصصة، وتقهقر المغرب إلي الرتب الدنيا في مؤشر الرشوة.

  انه الوضع  نفسه الذي أقر به رئيس الدولة مؤخرا في خطاب افتتاح الدورة التشريعية، عندما أعلن بشكل صريح عن فشل النموذج التنموي الذي تبناه المغرب تفاعلا مع تقرير الخمسينية الذي أطر مرحلة بأكملها بدأت مع الألفية الثالثة. هذا بالإضافة إلى ما أقر به من ضرورة لإعادة النظر في هيكلة الدولة   وتفعيل دور الجهوية الموسعة في عملية التنمية و الإهتمام بالشباب مع العمل على تأسيس مجلس أعلى لهم، وهي كلها مقترحات غير كافية رغم ما تتصف به من أهمية. أو بما تم اتخاذه من إجراءات إعفائية في حق بعض المسؤولين عن تعطيل مشروع منارة المتوسط، والتي لا تخضع لمنطق القانون أو لمبدا المساءلة والمحاسبة، بقدر ما تخضع لمنطق الغضبة وعدم الرضى.

بالتالي، فإن توهمت النخب المتحكمة في صناعة القرار أنها قد أنهت الحراك بمقاربتها الأمنية وتدخلاتها العنيفة التي جعلت المغرب يتصدر التقارير الدولية والأممية للدول التي تمارس فيها انتهاكات حقوق الإنسان، هذا ناهيك عن ما أنتجته هذه المقاربة من ارتفاع لمنسوب الكراهية تجاه الدولة و مؤسساتها لدى فئات واسعة من الشعب المغربي بالداخل والخارج و رفع من حدة الإحساس بفقدان الثقة من كل  العملية السياسية وبهيآتها الحزبية أو المنتخبة التي يبدو أنها قد فقدت قدرتها على الفعل والتأثير، ولم تعد قادرة على تجديد تصوراتها الفكرية والسياسية التي أشر الوضع الحالي عن فشلها كما فشلت المنظومة السياسية والتنموية برمتها، وأصبحنا علي ما نحن عليها من أوضاع قاب قوسين أو أدنى من الانفجار.

لكن ها هو أخطر ولم  تدركه النخب السياسية المتحكمة في دوائر القرار، هو أن المجتمع وخاصة فئاته الواسعة من الشباب المتضرر من الأوضاع الحالية، ماضية في إنتاج خطابها السياسي الذي حتى وإن بدي بسيطا إلا أنه يمتلك قوة نافذة في التواصل مع فئات واسعة من الشباب ضحايا السياسات التعليمية  الفاشلة  التي تمتلك وعيا سياسيا حسيا، ولم يسبق لها أن تأطرت تنظيميا، وهو الخطاب الذي يغذيه لديها الإحساس المشترك بالإحباط واليأس وانعدام الثقة في الدولة والأحزاب والمثقفين، كما أنها وفي سياق بحثها عن ملاذات بديلة من خارج النماذج السياسية الحالية التي فقدت مصداقيتها وأي دور لها علي التنظيم والتأطير، وفي غياب مقاربة شاملة للنخبة السياسية المتحكمة تروم إلى خلق شروط مصالحة حقيقية  من أجل إعادة الثقة في العمل السياسي والمؤسساتي، فإن نسبة مهمة من هؤلاء الشباب يمكن أن  تعانق عوالم التطرف، سواء بخلفيات دينية أصولية أو بخلفيات عرقية متعصبة.

وبحكم خطابها الشعبوي البسيط وقدرتها السلسة على التواصل مع فئات واسعة من المجتمع المغربي الغير المؤطر سياسيا وتنظيميا و الفاقد للثقة في الدولة ومؤسساتها الحزبية والمنتخبة، فإنها ستشكل عاجلا أم  آجلا، إن استمر الوضع على ما هو عليه، قيادات بديلة سهلة التوظيف من طرف من يشتغلون ضمن مخططات واستراتيجيات زرع الفوضى الخلاقة، على غرار ما تعيشه الكثير من شعوب وبلدان العالم التي عانت من نفس الأوضاع الفاسدة التي يعاني منها المغرب والمغاربة حاليا.

فحذاري من ما أنتم عليه غافلون، وبانتصاراتكم الأمنية الوهمية منتشون.